قال الكاتب اليساري
الإسرائيلي، جدعون ليفي، إن تهم الفساد التي تلاحق رئيس الوزراء، بينامين
نتنياهو، "خفيفة الوزن" مقارنة بالجريمة الحقيقية في إسرائيل وهي احتلال الأراضي الفلسطينية منذ 50 عاما.
ولفت الكاتب اليساري في مقاله في "ميدل إيست آي" وترجمته "
عربي21" إلى أن الاحتلال ما هو إلا "فساد مؤسسي" في إسرائيل لا يذكره أحد من قريب ولا من بعيد.
وأضاف ليفي أن تهم الفساد المتهم بها نتنياهو جمعت في ملفين "أما ملف القضية الأولى فيتعلق بقبوله هدايا من منتج الأفلام الإسرائيلي الأمريكي أرنون ميلشان، أما الثاني، فتسجيلات مسربة بينه وبين أرنون موزيس، ناشر ومدير تحرير صحيفة يديعوت أحرونوت، لضمان تغطية في الصحيفة أكثر انحيازا لرئيس الوزراء وأكثر تعاطفا معه مقابل منافع معينة تجنيها الصحيفة".
وتابع: "توجد في خلفية هذه الأحداث صحيفة إسرائيل اليوم، وهي صحيفة شعبية مجانية انطلقت في عام 2007 بدعم وتمويل من مالك الكازينوهات الأمريكي شيلدون أديلسون، التي أسسها لمساعدة نتنياهو في تحسين صورته والرد على الانتقادات، ونظرا لأنها توزع مجانا، فقد باتت إسرائيل اليوم الصحيفة الأوسع انتشارا والأكبر توزيعا في البلاد، وحلت بذلك محل يديعوت أحرونوت في المرتبة الأولى من حيث التوزيع ومن حيث الهيمنة على سوق الإعلانات".
وأضاف: "سوف تحسم الأيام القليلة القادمة مصير نتنياهو. فإذا ما وجهت له التهم بشكل رسمي، فستمارس عليه الضغوط بشكل متزايد لحمله على الاستقالة، حتى وإن كان من الناحية القانونية البحتة غير ملزم بالإقدام على ذلك. ولكن لا يبدو أنه سيكون قادرا على مقاومة الضغوط السياسية والشعبية والبقاء في منصبه رغما عنها".
وتساءل الكاتب: "هل إسرائيل دولة فاسدة؟"، وأجاب: "إن فيها من الفساد ما يكفي لإفراز هذا العدد الكبير من الاتهامات لشخصيات منتخبة تحتل مواقع عليا في الدولة، ولكنها مقارنة بغيرها تعتبر نظيفة نسبيا لجرأتها على محاكمة ومعاقبة حتى أعلى السياسيين فيها رتبة ومقاما".
أما الفساد الحقيقي بحسب ليفي فهو "ما لا يجرؤ أحد على ذكره. إنه الحاضر الغائب، وأقصد به فساد الدولة المؤسسي الناجم عن 50 عاما من الاحتلال، وهو الأمر الذي لا يذكره أحد ولا يشير إليه لا من قريب ولا من بعيد".
وتابع: "عوقب رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بالسجن لأنه اختلس بضع مئات الآلاف من الدولارات، ولكنه لم يمثل أمام أي محكمة بسبب دوره في عملية الرصاص المسكوب في غزة، ذلك الهجوم الوحشي الذي شنته إسرائيل على سكان غزة الذين لا حول لهم ولا قوة فقتلت آلاف المدنيين الأبرياء، بما في ذلك النساء والأطفال والمسنين والمرضى، وحولت الآلاف من مساكنهم إلى ركام".
وأضاف: "لم يفكر أحد بتوجيه تهمة إلى أولمرت بشأن عملية الرصاص المسكوب، ولا بسبب الدمار الذي ألحقته أوامره وإرشاداته أثناء الحرب التي شنت على لبنان. كان الجندي الوحيد الذي حوكم على جرائم ارتكبت في غزة هو الجندي الذي سرق بطاقة اعتماد مصرفية من أحد المنازل في القطاع. المهم في الأمر أنه من أعلى الحكومة إلى أدناها لم يقدم أحد في إسرائيل للمحاكمة على أي من جرائم الحرب، والانتهاكات الصارخة لمبادئ القانون الدولي، وجرائم الاحتلال والمستوطنات غير الشرعية والتي تشكل مجتمعة انتهاكا مريعا وفظيعا للقانون الدولي واستهزاء به واحتقارا له".
وقال: "تهوى إسرائيل تقديم نفسها إلى العالم على أنها بلد ديمقراطي، على أنها دولة قانون، وعلى أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. كما تحب إسرائيل شغل نفسها بالتعامل مع الأمور التافهة نسبيا. فقد استغرقت وسائل الإعلام في تغطية الاستعراض الذي تحولت إليه محاكمة جندي ذي رتبة متدنية (إيلور أزاريا) كان قد أطلق النار على فلسطيني يحتضر بعد أن حاول طعن جندي إسرائيلي آخر، وكأنما أريد لهذا الاستعراض ولما حظي به من اهتمام إعلامي، أن يشكل الدليل الدامغ على مكانة إسرائيل الأخلاقية. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن إخلاء عدد قليل من المباني في مستوطنة آمونا".
ورأى أن التركيز على الفساد الصغير والجرائم التافهة يحول الأنظار بعيدا عن الشيء الرئيسي، "ألا وهو سلوك الاحتلال، الذي يعتبر مصدر جميع أوجه الفساد والممارسات الإجرامية داخل دولة إسرائيل، وهذا الفعل لا يعادله شيء في إجرامه ولا يمكن أن تقارن به جريمة أخرى. ألا يوجد من يحاكم على هذه الجرائم بينما تنشغل إسرائيل بقضايا فساد صغيرة، ما من شك أنه أمر يبعث على القلق الشديد وينذر بشر مستطير".