نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تقريرا؛ سلطت من خلاله الضوء على عودة
إيران بقوة إلى الساحة الإقليميّة، خصوصا بعد رفع العقوبات الغربية عنها.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ إيران تورطت في خط المعارك في منطقة الشرق الأوسط كحاضنة وحامية للمذهب الشيعيّ، كما يبلغ مدى تأثيرها العسكري والسياسي من العراق إلى لبنان، مرورا بسوريا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المسؤول العسكري الإيراني قاسم سليماني، كان من بين الأوائل الذين ظهروا في وسائل الإعلام، بعد انتهاء معركة حلب. وسليماني هو المسؤول عن فيلق القدس، التابع للحرس الثوريّ، وقد نسّق بين "حزب الله" اللبنانيّ، وباقي الميليشيات الشيعيّة في ساحة المعركة منذ بداية الأزمة السوريّة.
وأكدت الصحيفة أنّ سليماني شوهد على أطراف مدينة الموصل، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في بداية المعركة ضد تنظيم الدولة، حيث قاد وحدات الحشد الشعبي الشيعية ومليشيا بدر التي أسسها بنفسه، وهي المعروفة بعدائيتها الشديدة وقسوتها.
وفي هذا الإطار، أرسلت طهران أحد قادتها العسكريين، ليس فقط لقيادة المليشيات الشيعيّة المشاركة في معركة الموصل، بل لتعزّز من حضورها في العراق أيضا، مؤكدة أنها مطلعة على كل ما يحدث في المنطقة. وقد ساهم هذا التدخل العسكريّ والسياسيّ الإيرانيّ في بروزها كقوة إقليميّة تفرض احترامها على دول الجوار.
وأشارت الصحيفة الفرنسيّة إلى أنّ كلا من حلب والموصل هما جزء لا يتجزأ من منطقة "الهلال الشيعي"، التي تخضع لإشراف ولاية الفقيه، خاصّة أنّ هذه المنطقة من شأنها أن تعزز سهولة التواصل بين كل من إيران وحلفائها، كالنظام السوريّ والحكومة العراقيّة. وفي السياق نفسه، عملت طهران على خلق هذه المنطقة التي تمتد من العراق، وصولا إلى بيروت، خلال المعركة التي دارت بين كلّ من حليفها اللبنانيّ "حزب الله"، وإسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الإيرانيين يعتبرون الثورة السورية التي انطلقت خلال سنة 2011م، تهديدا عربيا سنيا، يطال الأقليات الشيعيّة. لذلك، دفعت إيران ببيادقها المشكّلة أساسا من شيعة العراق ولبنان، وحتى من إيران نفسها، بحجة حماية
الشيعة في سوريا وإنقاذ "ضريح السيدة زينب" الموجود على مشارف دمشق. إثر ذلك، عززت إيران مليشياتها بمقاتلين شيعة، أفغان وباكستانيين، شاركوا في معركة حلب.
في المقابل، ورغم كل هذه الدلائل التي تشير إلى أنّ طهران تقود أساسا حربا "طائفية" في كلّ من سوريا والعراق، أنكرت إيران على لسان رئيسها حسن روحاني؛ هذا التعبير، خلال إلقائه كلمة في جامعة طهران، حيث قال: "نرتكب خطأ فادحا عندما نصف الحرب السورية بالطائفية، أو حتى نلمّح لها بمصطلح الهلال الشيعي، أو المحور السني". وأضاف روحاني: "بل هي حرب لتطهير سوريا والعراق من الإرهاب".
كما أشارت الصحيفة إلى الهجوم الذي شنه المستشار العسكريّ الأول للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ضد الولايات المتحدة، والذي اتهمها فيه بتكوين تنظيم الدولة، حيث قال: "إنّ تنظيم الدولة هو عبارة عن جيش سريّ تابع للولايات المتحدة". كما أضاف المستشار العسكريّ الإيرانيّ، يحيى رحيم صفوي، قائلا: "دخل الأمريكيون العراق وسوريا، وشنوا حربا ضد هذه الدول الإسلامية، بهدف حماية طفلها المدلل، وهو الكيان الصهيونيّ".
ومن جانب آخر، ذكرت الصحيفة أنّ إيران لا يقلقها التدخل الأمريكيّ في الشرق الأوسط، بقدر ما تخاف من أيّ تحرّك سعوديّ سنيّ نحو حدودها، لذلك فهي تحمي، بشتى الوسائل، الأقليات الشيعيّة الموجودة داخل الدول العربيّة.
ونقلت الصحيفة عن المدير المساعد في مركز البحوث الاستراتيجية الفرنسي، برونو ترتري، قوله: "هناك خطآن يجب تجنب الوقوع فيهما؛ الأول: إلغاء مصطلح طائفية، واستبداله بمصطلح الإرهاب، أما الخطأ الثاني، فيتمثل في قراءة الأحداث بغير أنها مواجهة بين كل من
السنة والشيعة".
في المقابل، يتجنب أغلب السياسيين العرب استعمال مصطلح "حرب طائفية" للإشارة للحرب السورية، في حين أنّ العديد منهم ينظر بقلق شديد إزاء "الخطر الفارسي" المحدق بأكثر من دولة عربية.
وتساءلت الصحيفة عن قدرة إيران المضي قدما نحو تحقيق طموحاتها، وإشباع أطماعها داخل المنطقة كلها، فلم تكن إيران لتنجح في التدخل في العراق، لولا إسقاط الولايات المتحدة، عسكريا، نظام صدام حسين. ويبدو أنّ طهران تستعرض عضلاتها أمام الدب الروسي، القوة الجديدة المؤثرة في الشرق الأوسط، كما تقول الصحيفة.