في الثالث من يناير كانون ثان الجاري دشن قادة سياسيون ورموز ثورية مصرية متنوعة حملة بعنوان "يناير يجمعنا" وذلك في مؤتمر صحفي اقتصر على تلاوة أحدهم (محمد كمال الناطق السابق باسم حركة 6 إبريل) البيان التأسيسي فيما اصطف عدد من الرموز السياسية يتقدمهم الدكتور محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان والدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة.
والمرشح الرئاسي السابق والسيدة سناء عبد الجواد زوجة القيادي محمد البلتاجي وأم الشهيدة أسماء في صورة بدت جديدة على أنظار المصريين خصوصا من وقفوا معا ضد حكم مبارك وقاموا بالثورة ضده، ثم فرقهم الانقلاب العسكري بعد ذلك، وكان أحد مستهدفاتها إرسال رسالة إيجابية للداخل المصري على قدرة رافضي حكم العسكر على العمل المشترك، ولو كانت البداية بحملة رمزية مؤقتة.
جاءت حملة يناير يجمعنا بعد سلسلة من الخطوات المتعثرة لتوحيد جهود قوى الثورة المصرية بدأت عقب مرور أقل من عام على انقلاب الثالث من يوليو 2013، وكانت أولى خطواتها في إعلان بروكسيل ثم المجلس الثوري وبيان القاهرة، وإعلان فبراير.
ولعل الخطوة التي أثارت قدرا من التفاؤل والتي سبقت إعلان الحملة كانت توقيع عدد كبير من الرموز السياسية والثورية من كل الاتجاهات (إسلامية وليبرالية ويسارية ومستقلة) على ميثاق الشرف الوطني الذي تم إعلانه في 10 ديسمبر كانون أول الماضي بعنوان "أوقفوا خطاب الكراهية"، وكان النجاح الأكبر لميثاق الشرف الوطني هو قدرته على جذب عدد كبير من الرموز السياسية من مختلف التيارات وانضمام عدد كبير له من الداخل المصري لأول مرة، كما أن تنفيذ الميثاق بدا على الفور حتى قبل تشكيل لجنة الحكماء، عبر تدخل بعض رموزه لحل بعض المشكلات والتراشقات التي وقعت بين بعض الموقعين.( راجع مقالي بعنوان ميثاق الشرف الوطني ..نسمات ينايرية جديدة بتاريخ 11 ديسمبر).
كان منظمو حملة "يناير يجمعنا" مدركين منذ البداية لحالات الإحباط التي نتجت عن المحاولات السابقة المتعثرة لتوحيد الصف الثوري، ولذا كانوا واضحين في إعلان أن حملة يناير يجمعنا هي مجرد حملة مؤقتة تستهدف إعادة الوجه المضيء لثورة يناير التي شوهتها الأذرع الإعلامية لانقلاب الثورة المضادة، وإعادة روح يناير وتفعيل المجتمع وذلك من خلال بعض الأنشطة الإعلامية والفعاليات الميدانية، وهي ليست كيانا ثوريا جامعا، كما أنها لا علاقة لها بتوجيه الحراك على الأرض داخل مصر، فهذا أمر متروك لتقدير القيادات الميدانية للحراك.
بينما يقتصر دور الخارج على دعمه وإسناده. وبالتالي قطع منظمو الحملة الطريق على كل من يحاول تحميل الحملة الجديدة مالا تحتمل من المعاني والأهداف الكبرى التي يصعب أو يتعذر تحقيقها فيتسبب ذلك في إحباط جديد.
الحملة هي مجرد خطوة رمزية جديدة في طريق طويل لتحقيق الاصطفاف الثوري والعمل المشترك بين شركاء يناير الحقيقيين، الذين لم تتلوث أيديهم بدماء بعضهم بعضا، ضد خصم واحد تلوثت يداه بدماء هؤلاء الشركاء جميعا، ونجحت أذرعه في الوقيعة بينهم، وإهدار مكتسبات ثورتهم ، وقد كان ميثاق الشرف الوطني متنبها لذلك حين ذكر في بنده الأول " نؤمن إيمانا جازما أن فُرقة ثورة يناير هي بيت الداء، والثغرة التي نفذت منها رياح عاتية أجهزت على مكتسباتها، وأهدرت الكفاح من أجلها، وأصابت البوصلة بالعطب، في الوقت الحرج ولا أحد منزّه عن الخطأ والمسؤولية"
ويمكن اعتبار حملة "يناير يجمعنا" اختبار جديد للنوايا والإرادات الراغبة في عمل مشترك حقيقي لإنهاء الانقلاب وحكم العسكر، واستعادة المسار الديمقراطي، وإعادة الأمل للشعب المصري كله، فالكلام كثير، تعج به صفحات التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات في أهمية العمل المشترك للإطاحة بهذه السلطة، لكن العمل قليل حتى الآن.
ولعل قدرة شركاء حملة يناير يجمعنا على تحقيق أهداف الحملة معا، والعمل المشترك تحت ظلالها، سيعيد الأمل فعلا للنفوس المحبطة أو الخائفة، ويدفعهم للعودة مجددا إلى طريق الثورة على هذا النظام الذي أحرق اليابس والأخضر، وطالت نيرانه الجميع ؛مؤيدين ومعارضين ورافضين، والذي أصبح استمرار وجوده خطرا حقيقيا على أمن الوطن وسيادة أراضيه بعد تنازله الفج عن جزيرتي تيران وصنافير.
لم يفاجئني هجوم أذرع السيسي السياسية أو الإعلامية على الحملة ولكن المشكلة أن يأتي الهجوم من شخصيات أو رموز تنتمي لمعسكر الثورة، تشكيكا في نوايا القائمين على الحملة، والمنضمين لها، أتفهم أن يعترض البعض على وجود بعض الشخصيات ولكن ذلك ينبغي أن لا يدفعه للطعن في الحملة على إطلاقها، كما أتفهم أن يطالب البعض بوضع معايير للعمل المشترك والاصطفاف لكن ذلك لا ينبغي أن يكون هدما لخطوة على طريق هذا الاصطفاف، وفي هذا المجال من المهم التنويه أن الاصطفاف درجات يبدأ بتجنب الاحتكاكات والملاسنات، وإلقاء الاتهامات، وينتهي بالوصول إلى كيان ثوري جامع، وبينهما درجات وقد كان الميثاق الوطني درجة منها إذ أنه كان بمثابة ثوب فضفاض سمح بعضوية كل من يؤمن بتلك المبادئ الأخلاقية.
ولكن ليكن معلوما أن نفرا ممن وقعوا الميثاق لن يتقدموا أكثر من ذلك، أو ليس مطلوبا منهم أن يتقدموا أكثر من ذلك، وتبقى كتلة كبيرة من كل الأطياف قادرة على التحرك إلى الأمام خطوة أكثر عملية تجسدت في مشروع مشترك لإحياء وتحسين صورة ثورة يناير، وهذه خطوة ستقود إلى خطوات أكثر تقدما نحو الهدف الأكبر وهو إسقاط الانقلاب وحكمه العسكري عبر عمل مشترك يضم القوى الثورية الحية والرموز الصلبة من مختلف الاتجاهات التي تمتلك إرادة حقيقية لإنهاء الحكم العسكري ومستعدة لتقديم التضحيات في سبيل ذلك.
صحيح أن أي يوم يمر على مصر تحت هذا الحكم العسكري يفقدها الكثير من خيراتها وثرواتها المادية والبشرية والمعنوية، ولكن الاستعجال في قطف الثمار قبل نضجها يفسد الاستفادة منها.
1
شارك
التعليقات (1)
م\ عبد المعطى ذكى ابراهيم
الأحد، 08-01-201707:33 م
مقال جيد ومتوازن من صحفى ما زال الى الآن من الذين يمنهنون محنة البحث عن الحقيقه التى لم يعد يعرف مسؤليتها الا القليل - اسقاط الإنقلاب يتطلب حركة شعب ولا يمكن لأى فصيل أن يتحمل مسؤليتها وحده- الحل مصرى وبأيدى الجماهير المصريه وهم الذين سيتحركون عندما يحدوهم الأمل والإصطفاف الوطنى لا شك من عناصر الأمل إلا أن الحذر مطلوب واليقظه يجب أن تكون حاضره فكل تعثر يزيد الإنقلاب قوه ونجاح الإصطفاف إم تم يرسل رساله للداخل وللإقليم وللدول أن تلك ارادة المصريين وهو عامل إن لم يكتسب تأييدا فيقينا سيفرض حيادا من تلك القوى التى تساند الإنقلاب - تحياتى للأستاذ \قطب العربى