في زمن الشدة الذي تمر به مصر، دأب المسؤولون على تذكير الناس بين الحين والآخر بالدعم الذي تتحمله الحكومة لتوفير بعض السلع لهم بأسعارها الحالية. ولا يخلو الأمر من تلميح إلى جحود المجتمع ونفاد صبره وعدم تقديره لذلك العطاء، ذلك إلى جانب اللوم الصريح والمبطن الذي أخذ على الناس التراخي والتقاعس عن الإنتاج، مع الإصرار على الاستمرار في الإنجاب الذي يثقل كاهل الحكومة بمزيد من الأعباء. وهو خطاب يحاول رسم معالم المظلومية التي تعاني منها السلطة ويصور المجتمع باعتباره همًّا تورطت فيه، وهي تستحق التعاطف والصبر بأكثر مما تحتاج من الغضب والاحتجاج. إلا أن للمسألة جانبا آخر مسكوتا عليه. ذلك أن السلطة وهي تقوم بما عليها وتمارس واجباتها ومسؤولياتها الطبيعية، تتجاهل أن المجتمع يتحمل منها أضعاف ما تتحمله هي. والحاصل أنها من خلال أبواقها ومنابرها تستطيع أن ترفع صوتها وتتحدث عما تتحمله من أعباء وهموم، في حين أن المجتمع لا يستطيع أن ينافسها في الشكوى أو علو الصوت، ولسوء حظه فإن الناس حين انتخبوا برلمانا يرفع صوتهم في مواجهة الحكومة، خاب ظنهم عندما اكتشفوا أنه خاضع لائتلاف دعم الدولة، الذي هو في حقيقة الأمر اصطفاف إلى جانب السلطة في مواجهة المجتمع.
لا أريد أن أقلل من جهد الحكومة، لكنني أدعو إلى إنصاف المجتمع والتنبيه إلى مظلوميته، لكي يعطي لكل ذي حق حقه. ذلك أنني لاحظت أن تململ المجتمع بعد الزيادات الموجعة في الأسعار قوبل باستياء واستخفاف من جانب الأبواق المعبرة عن السلطة إلى حد كيل الاتهامات للمجتمع واعتباره ناكرا للجميل، حتى قيل إنه «الشعب الغلط» في حين أنه كان الشعب العظيم حين رحب بالحكومة وصفق لها.
إن الحكومة هي المسؤولة عن شقاء المواطن المصري الذي يعاني منه بصفة يومية، لا أتحدث عن حكومة بذاتها ولكنني أعني السياسات التي تتبعها الحكومات المصرية المتعاقبة، في مجالات الإنتاج والخدمات والأمن، ذلك أن الوزارات التي تعمل في تلك المجالات اتبعت سياسات هي المسؤولة عما يعاني منه المجتمع المصري في مأكله ومشربه ومسكنه ومواصلاته وتعليم أبنائه أو علاج مرضاه. بكلام آخر فإن الشعب ليس مسؤولا عن فساد المحليات أو فشل التعليم والصحة أو تعثر الإنتاج أو ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج، لكنه ضحية لقصور السياسات التي اتبعت في تلك المجالات أو تخبطها.
ربما كان لنا أن نتحدث عن مسؤولية الشعب إذا كان هو من يراقب ويقرر وبمقدوره أن يحاسب. ولكن إذا كان الشعب لا يعرف كيف يصدر القرار، في حين أن السلطة مطلقة اليد في رسم السياسات وتحديد الأولويات دون مراقبة سابقة أو لاحقة، فإن الشعب في هذه الحالة يصبح ضحية خطأ السياسات أو قصورها، بل يغدو تقريعه تجنبا وهروبا من المسؤولية. وجنون الأسعار الحاصل في مصر الآن، الذي أدى إلى إفقار 80% على الأقل من الشعب المصري الصابر والحمول، يدفعنا إلى التساؤل: هل نحن إزاء الشعب الغلط أم السياسات الغلط؟
إن التفاعل بين المجتمع والسلطة في اتجاه واحد؛ فالشعب لا يؤثر في طبيعة السلطة وإنما تؤثر السلطة في خصائص الشعب وأخلاقه. لذلك فإن السلطة تظل مسؤولة عن مساوئ الشعب كما أنها مسؤولة عن محاسنه. هذه العبارة قالها الفيلسوف الفرنسي كلود هلفيتيوس في القرن الثامن عشر. لكن هذا الكلام لم يعجب قساوسة الكنيسة المتحالفين مع السلطة، الذين هم من دعاة «الشعب الغلط»، فاتهموه بالهرطقة وقاموا بإحراقه في شوارع باريس!
الشرق القطرية
1
شارك
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
السبت، 24-12-201611:45 م
أدارات و نتائج ................
حقيقة ثابته أن الشعوب التي تتمتع بقدر من العيش الرغد و الاستقرار و تقارب نسبى بين مستويات الطبقات و أن كانت قاطرة المجتمع تتمتع بالتميز الواضح عالمياً في مستويات الثراء فإن هذه الشعوب لا تثور و لا تتململ من الحكومات أو قل أدارت البلاد و أن كان مكفول لها قدر غير يسير من حريات التعبير عن الرأي ؛ و في المقابل الأدارات الفاشلة للبلاد تسقط نتائج فشلها على الشعوب و تصل في اسفاف الأسقاط أن تتهم التزايد الطردي في تعداد السكان أنه أحد أسباب فشلها في حين أن زيادة تعداد السكان أو الأمة الشباب توفر أيدى عاملة التي هي أحد عوامل ثلاث في الأنتاج و زيادته و العاملان الأخران مسؤولية الأدارات و صفوة المجتمع سواء أن كان رأس مال أو أدوات أنتاج و الأهم تسويق المنتج عالمياً و الأدارات الفاشلة لا تسقط فشلها فحسب بل تتبع وسائل و سبل غير آدمية و غير شرعية لأحكام قبضتها على السلطة كالقمع و الترهيب و السجن و الاعتقال بمبررات واهية هزليه و القتل بغير محاكمات في الطرق العامة و الأخفاء القصرى و تصاعد الجباية و فحش الغلاء و تحميل عموم الشعب دون صفوته ألام اقتصاد لم يحسن أدارته من الأساس .