تزامن تفجير الكنيسة البطرسية في مصر مع تفجير آخر شهدته اسطنبول في اليوم ذاته (السبت 10/12)، في أثناء خروج الجمهور عقب انتهاء مباراة لكرة القدم. وهو ما أدى إلى قتل 44 مواطنا وإصابة 160 آخرين بجراح مختلفة.
وبعد إعلان تنظيم «صقور حرية كردستان» مسؤوليته عن العملية، ظهرت تعليقات عديدة في الصحف التركية استوقفني منها مقال نشرته صحيفة «حريات» يوم 13/12 للكاتب البارز مراد يتكن، انتقد فيه تعامل الحكومة الأمني مع الإرهاب الكردي، واعتبر أن استبعاد السياسة في مكافحة الإرهاب يعد موقفا كارثيا لا جدوى منه.
وإذ لاحظت أن مضمون رسالته يشبه إلى حد كبير ما يتردد في مصر الآن، حتى كاد يكون جزءا من حوارنا الداخلي، فقد وجدت أنه قد يكون مفيدا توسيع دائرة الإطلاع عليها لإثبات الإدعاء بأننا ــ رغم كل شيء ــ مازلنا في الهم شرق.
في مقالته ذكر مراد يتكن أن الرئيس رجب طيب أردوغان في أثناء حضوره جنازات الشهداء من رجال الشرطة، أطلق عبارات رنانة من قبيل أن الإرهابيين سيغرقون في دمائهم، وأن الحكومة ستجتث الإرهاب من جذوره إلى غير ذلك من الصياغات، التي اعتاد الشعب التركي على سماعها طوال أربعين عاما من معاناته مع الإرهاب، حتى مل تكرارها وأدرك أنها لا تحل ولا تربط. وزير الداخلية فعل الشيء نفسه، حين قال قبل دخوله الاجتماع الطارئ الذي عقده الرئيس التركي إن أولوية الحكومة هي الانتقام من الجناة.
أضاف الكاتب قائلا: إن وزير الداخلية كان قد أعلن في وقت سابق أن حزب العمال الكردستاني سيهاجم اسطنبول قريبا، وقبل أن يسأل سائل لماذا لم تتخذ الداخلية تدابيرها، أذكِّر بأنه قبل يوم من الهجوم قامت الشرطة بعمليات تفتيش ومداهمة عشوائية على الطرقات بحثا عن طرف خيط، ورغم ذلك استطاع الإرهابيون شحن كمية كبيرة من المتفجرات في سيارة والهجوم بها على حاجز أمني في مكان على بعد مئات الأمتار من مكتب رئيس الوزراء في اسطنبول، وعلى مقربة من خمسة فنادق كبيرة ومشهورة.
وقد يقول قائل إن هذه الهجمات تحدث حتى في الدول الغربية الديمقراطية، لكن الفارق أننا في تركيا لا نستطيع أن نطالب برحيل الحكومة أو الوزير المسؤول مخافة توجيه تهم الخيانة إلينا. علما بأنه منذ أشهر وتركيا في حالة الطوارئ، الأمر الذي يعني أن الطوارئ لا تحمى من الإرهاب فالحكومة منشغلة بإصدار القرارات الأمنية، التي تسكت أو تصفي جماعة فتح الله غولن والمتعاونين مع العمال الكردستاني، وغيرهم من أصحاب الأصوات المعارضة الصادقة.. وإثر كل هجوم إرهابي فإنها تلجأ إلى تشديد الإجراءات الأمنية وتقترب أكثر فأكثر من الدولة البوليسية.
والمزايدون على الغضب الشعبي والمستفيدون منه يطالبون بالعودة إلى عقوبة الإعدام، وآخرون يلقون باللائمة على الغرب. ونواب الحزب الحاكم يرون أن الحل الوحيد لما نحن فيه هو تجميع القوى كلها والصلاحيات والسلطات بيد رجل واحد، هو الرئيس في نظام رئاسي. ونحن نسأل في المقابل، ألا ييسر إمساك رجل واحد بالسلطات كلها انتزاع حزب «العمال الكردستاني» مشروع الفيدرالية التي يطالب بها؟ ذلك أن حدود تلك الفيدرالية بدأت ترسم شيئا فشيئا من خلال العداء الشعبي والاستقطاب في الشارع والسياسة. وجميعا نرى كيف تشتد نبرة التصريحات ضد الأكراد وكيف تتعاظم معاداتهم يوما بعد يوم.
ختم مراد يتكن مقالته بقوله إن الكرة لاتزال في ملعب الحكومة. وبدلا من إعلان وزير الداخلية عن أنه سيتم القضاء على العمال الكردستاني قبل شهر أبريل المقبل، وهو تهديد غير واقعي، على الحكومة أن تضع استراتيجية حقيقية لهزيمة الإرهاب، قبل أن نعود إلى زمن التسعينيات حين كان الإرهاب يضرب في كل مكان. إذ عليها أن تترك السياسات العاطفية وتكف عن الاستثمار السياسي للأحداث، بحيث تتبنى استراتيجية فاعلة تنطلق من رؤية سياسية واعية لمكافحة الإرهاب. وما لم يحدث ذلك فالكارثة هي البديل.
صحيح أن الرسالة موجهة إلى الحكومة التركية، لكننا نستطيع أن نعتبرها صوتا ينضم إلى ما تمنيناه في مصر حين دعونا إلى إحياء السياسة، ونبهنا إلى أن تشديد الإجراءات الأمنية والتوسع في الطوارئ لا يحصنان البلد ضد الإرهاب.