من المقرر أن تجري الإنتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة في أيار من العام 2017، ولذلك ستسمعون خلال وقت قريب جداً من الآن المعزوفة التي ستقول بأنّ صعود ترامب في الولايات المتّحدة الأمريكية سينعكس بشكل سلبي على هذه الانتخابات، وسيقدّم خدمة للمتطرفين والراديكاليين داخل النظام الإيراني، وأنّه إذا ما التزم فعلاً بالسياسات التي أعلن عنها خلال الانتخابات تجاه إيران، فإن ذلك سيكون بمثابة ضربة قوية لمعسكر الإصلاحيين.
هذا الكلام سيقال بكل تأكيد، وسنرى سيلاً من المقالات والتقارير التي ستتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل الممل. وكما في كل مرّة يقترب فيها موعد أي استحقاق انتخابي في إيران، سيعود الحديث عن ثنائية الاعتدال والتطرف، الإصلاحيين والمحافظين، وسيتم ربط هذه التصورات، والنتائج المحتملة للانتخابات بعوامل خارجية ولاسيما بوصول ترامب إلى البيت الأبيض.
غالباً ما يتم التخطيط لمثل هذه الحملات للتأثير على سياسات الدول وتصوّراتها، وفي بعض الأحيان للتلاعب بها. الموالون لأوباما والحريصون على تحصين تنازلاته المذلّة أمام النظام الإيراني والذين يعرفون حجم فشل سياساته سيبررون بشكل متواصل انهيار هذه السياسة بالحديث عن مسؤولية ترامب في هزيمة محتملة لمعسكر روحاني أو تقوية معسكر المتطرفين داخل النظام الإيراني. كذلك الأمر بالنسبة إلى لنقاشات التي ستظهر داخل إيران، هناك من هو مستعد لتبرير حصول تحول في المشهد باتجاه أكثر تشدداً بذريعة وصول ترامب.
لكن بغض النظر عن هذه المناورات النفسية، فإنّ الخوض في هذه الثنائية لا يخدم إلا الجانب الإيراني الذي يقوم هو بنفسه بالتسويق لها والاستفادة منها. وحتى لو سلّمنا جدلا بأنّ النظرية السابقة صحيحة، فمن الذي باستطاعته أن يدّعي أنّ المحافظين أو المتطرفين في الرئاسة أسوأ من الإصلاحيين أو المعتدلين؟ هل تعتقدون أنّ أحمدي نجاد مثلاً أخطر من حسن روحاني؟ فكّروا مرّتين قبل الإجابة، وانظروا إلى حدود إيران ونفوذها الإقليمي ونشاط حرسها الثوري في عهد نجاد و في عهد روحاني.
لقد حان الوقت للابتعاد تماماً عن مثل هذه الهرطقات التبريرية للنظام الإيراني، فالنظام سيختار ممثليه بمعزل عما سيفعله الآخر، ووفق أجندته هو، وليس وفق الأجندة الخارجية. الأهم من هذا الأمر كلّه، أنّ هذه المواقع سواء في الرئاسة أم البرلمان لا تصنع سياسات إيران في ما يعنينا خارجياً، وليست مسؤولة عن صياغة التوجهات في الملفات الاستراتيجية أيضاً، فهي مجرّد أدوات لسياسات يضعها ويشرف عليها المرشد الأعلى والحرس الثوري، ولذلك فإن هذه الأدوات لا تغيّر المشهد، وإنما تعمل على إيجاد طرق لشرعنته أو تنفيذه، وهي كلها تعمل تحت مظلة النظام وضمن قواعده. وفي حلبته
دليلنا على ما نقوله هو روحاني نفسه. في عهد روحاني الذي يعتبر في الغرب -ولدى كثيرين خارجه أيضاً- إصلاحياً معتدلاً، أصبح نظام الملالي أكثر عدائية وأكثر تأثيراً على الصعيد الإقليمي، كما توسع نفوذه وتوسعت مساحة سيطرته الإقليمية بشكل غير مسبوق منذ قرون. من يريد أن يجادل بأنّ ترامب هو الذي سيكون مسؤولاً عن صعود المتطرفين في إيران يجب أن يعي أنّهم لم يغيبوا يوماً حتى نتحدث عن صعودهم غداً. أضف إلى ذلك حقيقة أنّ الذي قوّى معسكر المتطرفين داخل النظام هو أباما، والسبب في ذلك يعود إلى التنازلات شبه المجانية والعبثية التي قدمها للنظام الإيراني على مدى 8 سنوات من حكمه.
هناك من يقول بأنّ شريحة واسعة من الشعب الإيراني غير راضية لأنها لم تحصل في نهاية المطاف على ما توقعته من الاتفاق مع إدارة أوباما، على الأقل من الناحية الاقتصادية. لكن دعونا لا نخدع أنفسنا، إذا كان ذلك صحيحاً بالرغم من كل ما قدمته إدارة أوباما من تنازلات ورفع للعقوبات وغض نظر عن التجاوزات ورشاوى، فمن المسؤول عن مثل هذه النتيجة؟
المسؤول بطبيعة الحال هو الحرس الثوري الذي قام بابتلاع الأموال كما كان متوقعاً، والذي يعتبر المستفيد الأول من التسهيلات التي قدمها أوباما للنظام الإيراني، وذلك لكونه يسيطر على أغلب القطاعات الاستراتيجية والحيوية في الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن أنّه ضاعف من موازنته العسكرية، وتم استخدام الأموال في مواصلة البرنامج الصاروخي وفي دعم نظام الأسد والميليشيات الشيعية الإرهابية في المنطقة.
بمعنى آخر، لا يهم من هو موجودٌ في سدة الحكم في إيران في ما يتعلق بهذه القضايا الحساسة التي نتحدث عنها لأنّها تخضع لجهات ومؤسسات أخرى، وهذه لا كلمة للناس عليها، ولا تأثير للخارج على حسابات صعودها أو هبوطها. أمّا في ما يتعلق بثنائية التصنيفات داخل إيران، فهي لا توجد بالأساس إلا بالقدر الذي تخدم به النظام الإيراني وولاية الفقيه، وهي بهذا المعنى لعبة النظام المفضلّة في وجه ضغوطات الخارج، وتبدّل الواقع بين اللاعبين إصلاحيين ومحافظين، معتدلين ومتطرفين، يتم استخدامه فقط لحماية لعبة النظام ولحماية سياساته الداخلية والخارجية.
نعم لصوت الإيرانيين تأثير، لكنّ صوت النظام أكثر قدرة على صياغة وتشكيل قرار الناخبين حتى قبل أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، وذلك من خلال "المصافي" المتعددة التي يضعها ليوصل عبرها عدداً محدوداً من المرشحين المختارين بعناية فائقة، وهو بهذا الأسلوب يدفع الناخب باتجاه اختيار ما يريده النظام ليس أكثر.