عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي الإيراني، هناك الكثير من التخمينات المرتبطة بشكل السياسة الجديدة التي سيتّبعها ترامب في هذا المجال. وبغض النظر عن شكل هذه السياسة، والخطوة التالية التي سيقوم بها ترامب عند تسلّمه السلطة فعلياً في بداية العام الجديد، إلا أنّ الأكيد أنّه لن يبقى على المسار الذي صممه وسار فيه الرئيس أوباما، هذا أمر مؤكد.
مع التعيينات الأولى لفريق ترامب، تعهّد أوباما هذا الشهر بأن يستخدم الفيتو في وجه أي مشروع قانون يمنع بيع الطائرات لإيران، كما سرّبت إدارته أخبارا تفيد بأنّها تدرس خلال الأيام القليلة المتبقية لها في السلطة، إقرار المزيد من الإجراءات الجديدة التي تهدف إلى تحصين الاتفاق النووي، وتتضمن إعطاء المزيد من التراخيص للشركات الأمريكية للاستثمار داخل السوق الإيرانية، ورفع العقوبات الإضافية عن إيران.
قبل أيام فقط، قامت وزارة الخزانة الأمريكية بالسماح ببيع 106 طائرات من نوع (إيرباص) إلى النظام الإيراني، وهناك من يعتقد بأنّ إدارة أوباما جادة في اتخاذ المزيد من الخطوات المشابهة مع ما لتلك الخطوات من مخاطر لاحقة. ولهذا السبب بالتحديد، وقّع كل من رئيس مجلس النواب بول رايان، وزعيم الغالبية النيابية كيفين ماكارثي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس أيد وريس على رسالة موجّهة إلى أوباما في 22 تشرين ثاني/ نوفمبر يطالبونه فيها بإيقاف أي خطط إضافية لديه لتقديم المزيد من التنازلات إلى الجانب الإيراني.
وتهدف مساعي أوباما هذه على ما يبدو إلى تكبيل الرئيس المنتخب ترامب وجعل مسار الانفكاك عن الاتفاق النووي صبعا، وهناك من يشير إلى أن ترامب لا يمتلك الكثير ليفعله في هذا الصدد، وأنّه قد يجد نفسه فجأة أمام وقائع من الصعب له أن يقوم بعكس مسارها. لكن في المقابل، فإن هذا الوضع بالتحديد يدفعنا إلى الاعتقاد بأنّ التنازلات التي يقدمها أوباما لن تحصّن الاتفاق النووي مع إيران بقدر ما ستعرضه للخطر.
سبق للمرشد الأعلى لإيران علي الخامنئي وأن هددّ بأنّ الجانب الإيراني سيقوم بإحراق الاتفاق النووي إذا قام ترامب بتمزيقه. كما قال المرشد في مناسبة أخرى الأسبوع الماضي بأنّ إعادة فرص العقوبات على إيران أو بالأحرى تمديدها لـ10 سنوات أخرى سيخرق الاتفاق الاتفاق النووي، وإنّ إيران سترد على هذه الخطوة.
ترامب يريد إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، لكنّ ذلك قد لا يكون ممكناً أيضاً لسببين، الأول الرفض الإيراني المستمر لإعادة التفاوض حول الاتفاق، والثاني خسارة الجانب الأمريكي لأوراق المساومة الأساسية، لا سيما الرافعة المالية التي تخلى عنها أوباما لنظام الملالي على شكل إعفاءات وإفراج عن مدخرات ورشوات مالية.
ولذلك، على عكس ما هو شائع فإن هذه التنازلات التي يقدمها أوباما الآن قد لا تحصّن بالضرورة الاتفاق النووي كما ذكرنا، وإنما قد تدفع باتجاه إعاة البحث في الخيار العسكري ضد إيران. صحيح أنّه لا يزال من المبكر جداً الحديث عن مثل هذا الأمر، لكن لا يمكن استبعاد مثل هذا الطرح لاحقاً، خاصّة أن الرئيس المنتخب قد يجد نفسه فجأة من دون أي أسلحة سلمية إذا صح التعبير، ومن دون أي أدوات حقيقية للضغط على إيران للالتزام بالاتفاق.
وبما أنّ إدارة أوباما كانت قد تخلّت مسبقا وبشكل طوعي ودون أي مقابل حقيقي عن كل ما كان من الممكن استخدامه كضمانة أو كورقة ضغط أو مساومة ضد النظام الإيراني، فإن ترامب قد يجد نفسه مضطرا لإعادة البحث جدّياً في هذا الخيار. بمعنى آخر، فإن تنازلات أوباما قد تعطي ترامب لاحقاً عذراً في أن يلجأ إلى الخيار العسكري لأنّه لن يكون هناك شيء يمكن التفاوض عليه بعد أن قدّمت إدارة أوباما كل التنازلات الممكنة لتحصين ما تعتبره إرثها التاريخي.