مقالات مختارة

الإعلام.. عندما يحب وعندما يكره

أحمد الحناكي
1300x600
1300x600
في السياسة كما في الرياضة أو الاقتصاد أو الفن أو غيره من النشاطات، يبرز ناشطون أكثر من غيرهم، ووسائل الإعلام تهتم ببعضهم بشغف مبالغ فيه، بينما قد توجّه سهام النقد إلى الآخر مهما كان إيجابيا، والعكس صحيح.

في المملكة نُعتبر حديثي عهد في ما يسمى بالثورة الإعلامية أو التأثير والتوجيه الإعلامي عدا الجانب الرياضي، الذي منذ بدايته كان قويا وفاعلا بعيدا عن مسألة الحياد والتعصب.

نستطيع القول إن هذه السطوة الإعلامية بدأت وتزامنت مع الإنترنت والقنوات الفضائية، إذ يسهل التواصل مع الكل، وبين الكل، مهما تباعدت المسافات.

كانت أحداث 11 سبتمبر منعطف تحول كبير في المنطقة إجمالا، وبالنسبة إلينا كسعوديين بشكل خاص، إذ أصبحنا فجأة نتصدر القنوات الفضائية والصحف العالمية والعناوين الضخمة بالإرهابيين الـ15 من أصل 19 دمّروا مركزي التجارة العالمي بهجمات انتحارية، وعندها قررت أمريكا انتهاز هذه الفرصة النادرة، كونها أصبحت ضحية لا جلادا كالعادة، وأعلنت أنها تريد الانتقام. استهلت أعمالها بالحملات الإعلامية، التي هيأت لها هيمنة وتغطية تبيح لها أن تقصف وتضرب وتأسر.

في المقابل، أرخت وسائل الإعلام العربية قبضتها الحديدية وستارها الحاجب، وسمحت لمواطنيها وطبعا كتّابها بالتعبير.

كوننا مبتدئين قياسا بوحوش الغرب، فإن المهنية والعواطف والبيئة تتدخل في توجيه سهام النقد بموضوعية أو تحامل أو منطق. كل هذه الثورة الإعلامية أصبحت ضئيلة بعد ظهور الإعلام الجديد، الذي جعل من كل فرد في العالم وسيلة إعلام ووكالة انباء وحده.

معظمنا راقب الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ولاحظ تعاطف وسائل الإعلام الأمريكية مع مرشحة الديموقراطيين هيلاري كلينتون ضد مرشح الجمهوريين دونالد ترامب، غير أن هذا التعاطف لم يمنع ترامب من الفوز. هل نستطيع أن نقول إن من انتخب ترامب يريده تحديداً؟ لا بالطبع، فنستطيع أن نقول إن الجمهوريين فضلوه على منافسيه في الحزب، لكن في الصراع النهائي يكون التنافس بين الحزبين أكثر من كونه بين شخصين، والدليل أن الجمهوريين أو كثيرا منهم لم يستسيغوا شخصية ترامب، لكنهم صوّتوا له بحكم أنه جمهوري.

في السعودية، بعد الهامش المرتفع الملاحظ بالسنوات الأخيرة، بدأت تظهر موجة التعاطف والانحياز والحب والكره والنجومية، ولعل جيلنا كان من المغرمين بالراحل غازي القصيبي، وطبعا هناك من يرى أن سلمان العودة هو رمزه بحسب الاتجاه الفكري. طبعا الأسماء كثيرة، لكن الجيل الحالي سبق الجميع، كونه يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء حقيقية كانت أم وهمية.

على العموم، ليس هناك إشكال في التعبير أو حتى المبالغة في الثناء على شخصية نزيهة مخلصة تقدم واجبها الوطني على مصلحتها الفردية، المشكلة هي بالعكس من ذلك، فبعض ممن يطولهم الثناء لا يستحقونه، وإنما نالوه لأسباب عنصرية أو مناطقية أو تطلعا لمصلحة معينة.

المحصلة أننا أحيانا نتعرض بشكل متعمد أو غير متعمد إلى نوع من «غسل الدماغ»، الأمر الذي يحولنا من دون أن نشعر إلى التعاطف أو الكره أو الحب أو الوله أو الإعجاب أو الانتقام أو غيرها من العواطف الإيجابية أو السلبية.

المؤلم هو من يصبح ضحية للإعلام، أو من يضخمه فتصبح كل أعمال الأول تفسر سلبيا مهما كانت إيجابية، بينما ينال محبوب الإعلاميين مكانة لا يحلم بها، على رغم فشله أو فساده أو حماقته.

الحياة اللندنية
0
التعليقات (0)