مقالات مختارة

لا بديل عن التصالح

صالح عوض
1300x600
1300x600
في مصر.. وفي سورية.. وفي ليبيا.. وفي العراق.. وفي اليمن أزمات تكاد تشرخ المجتمع، وتهدد تجانسه، وتنتهي به إلى كيانات جديدة وعناوين سياسية جديدة.. فلقد جرب كل أصحاب الرؤى الأحادية الإقصائية وسائلهم، واندفعوا بعنفوان إلى تحقيق رغباتهم وتصوراتهم، ها هم يقفون على نهايات تجاربهم المأساوية وأياديهم تقطر دما، ووجوههم هدها الإعياء، ولقد لحق الأذى بأرواح شعوبهم، ووصل الانهيار إلى كثير من عناصر وجودهم الإنساني.

في مصر، الصراع على جبهتين: واحدة لها علاقة بإدارة الاختلاف بين أكبر القوى السياسية في البلاد، ممثلة بالإخوان المسلمين والجيش المصري أكبر جيوش العرب وأقربها إلى فلسطين.. وفي ظل الأزمة المتفاقمة، فتحت جبهة مواجهة عنيفة في سيناء مع مجموعات مسلحة.. هنا لا بد من القول إنه ليس سوى التصالح بين الإخوان والمؤسسة العسكرية والتفاهم.. وستتجلى أولى نتائج هذا التصالح بتمكين المؤسسة العسكرية من التفرغ للقضاء على الأعمال العنفية في سيناء وبقية المحافظات، ويمكن الدولة من ممارسة خططها دونما معرقلات، وهذا أمر ممكن تماما، ولا بد أن يوجد من العرب والمسلمين رسميين أو شعبيين من يرحب به، ويطلق من أجله مبادرات لإصلاح ذات البين المصري؛ لأن النتائج المأساوية لا ترتد على مصر وحدها.

وفي سورية، لا بد أن ندرك أنه لم يعد مناسبا إغلاق الأعين والآذان وتكميم الأفواه، وأن الحاجة أصبحت ماسة إلى نظام سياسي يمثل روح المجتمع السوري الغني بتنوعه والرافض للمحاصصات والتقسيم الطائفي، وهذا ليس للرد على الواقع المأساوي القائم اليوم في سورية فقط، بل من أجل تحصين سورية أمام التحديات المحتملة.. وهنا لا بد من الاعتراف بأن المشهد السوري ليس عبارة عن صدام بين معارضة ونظام، ولكن بلا شك أن هناك ثغرات في الوضع السوري سهلت تسلل المجموعات المسلحة الأجنبية.. رغم كل شيء وبعد هذا الصراع الدامي لا بد من البحث بين السوريين جميعا على كيفية الخروج من المأزق الدامي، وفتح الباب أمام المبادرات الحقيقية لخروج سورية من الواقع المأساوي.. ورغم كل ما سبق من سوء تجاوز الحدود من قبل النظام العربي نحو سورية، إلا أننا ما زلنا ننتظر تعديلات في الموقف العربي الرسمي؛ للنأي عن الوضع السوري سلبا، والاقتراب منه إيجابا.

في العراق، لن تستطيع قوات الحشد الشعبي، ولا جيش المالكي والعبادي والبشمركة، فرض وضع سياسي في العراق.. لأن السبيل الوحيد هو أن يكون العراق للعراقيين جميعا من دون تهميش وإقصاء.. وإن طي صفحة الماضي القريب والبعيد مسألة ضرورية لكي يجتاز العراقيون ما هم فيه من محنة.. لن ينجح المشروع الطائفي في العراق مهما بلغت قوات الحشد الشعبي وجيش المالكي.. ولن يجدي العراقيين إلا سبيل التوافق والتصالح.. والكلام نفسه ينسحب على اليمن وليبيا، حيث ينبغي أن يكون مفهوما أنهما بلدان يخضعان لتدخل عربي رسمي سلبي.. ولكن على كل منهما التوجه إلى المصالحة الداخلية؛ لأنها هي الكفيل بوضع حد للتشتت والمهانة والضياع..

إن مرحلة من التوافق والتصالح يجب أن ينهمك في إبرازها الساسة والإعلاميون وصناع القرار في المنطقة العربية؛ لأنها الحامي لدماء الناس ومستقبل الأمة.. تولانا الله برحمته.

الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)