ملفات وتقارير

"ما وراء الكواليس" يعيد الإعلام الميداني بسوريا إلى الأضواء

الإعلام الميداني له أهمية خاصة بالتوثيق والتأريخ للمعارك والمجازر- أ ف ب
الإعلام الميداني له أهمية خاصة بالتوثيق والتأريخ للمعارك والمجازر- أ ف ب
أعاد فوز فيلم المصور السوري فؤاد حلاق، "Backstage" (ما وراء الكواليس)، بجائزة "أخطر لقطة" في مهرجان دولي للأفلام، الإعلام الميداني والحربي في سوريا إلى الأضواء من جديد، فيما اعتبر إعلامي مقاتل الإعلام الميداني "تأريخا للحظة والشهداء"، على حد تعبيره.

الفيلم القصير "Backstage" فاز بجائزة أخطر لقطة في مهرجان "Golden eye"، الذي أقيم في جورجيا، وتم تصويره ومونتاجه في حلب خلال معركة في حي صلاح الدين، بواسطة موبايل "آيفون- s5"، ولم يستطع الحصول على الجائزة مباشرة بسبب الأوراق الثبوتية "كحال الكثير من السوريين"، بحسب تعبيره.



"كانت لقطة طبيعية"

وقال حلاق، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن هذه اللقطة، التي يصور فيها إحدى جبهات أحياء حلب، كانت خطيرة بالنسبة للجنة التحكيم، أما بالنسبة له فقد كانت طبيعية، موضحا أن "أي مصور في سوريا متعرض للخطر، وكذلك أي مواطن في خطر ما دام الأسد رئيسا لسوريا".

وأوضح المصور السوري أن الفوز بالجائزة "كان شيئا معنويا كبيرا بالنسبة إلي، وللكثير، في ظل الموت اليومي والتهجير والقصف والحصار"، مشيرا إلى أن الفيلم فاز بالجائزة الثانية بعد الجائزة البلاتينية في مهرجان صناع الأفلام العالمي في إندونيسيا.

واعتبر حلاق أن التأثير الأكبر لتصنيف حلب "كأخطر مدينة في العالم للصحفيين في عام 2015"، كان "بعدم دخول الصحفيين الأجانب، وخوفهم من الاختطاف من قبل داعش والتنظيمات المتطرفة"، مؤكدا أن "هذا يؤثر على الرأي العام الغربي"، مستدركا بالقول إن العديد من الصحفيين الغربيين زاروا سوريا، "لكن ليس بزخم بدايات التحرير"، على حد قوله.

حول ذلك، أكد المقاتل والإعلامي العسكري في شمال سوريا "س.ع"، لـ"عربي21"، ما ذهب إليه حلاق، ساردا عدة مواقف واجه بها الموت، كان أسوأها موقفٌ كان هو محاصرا فيه، بدون سلاح وبدون بطارية للكاميرا، فكان "بلا جدوى، ولم يستطع الانسحاب"، إلى أن استطاع زملاؤه فك حصاره.

أما أكثر اللقطات تأثيرا بالنسبة إليه، فهي عندما كانوا محاصرين في ريف حلب الجنوبي، في منطقة الحاضر، في طريق مغلق بانتظار المؤازرة، وكان بعض رفاقه جرحى، لكنهم أصروا على مواصلة القتال، وكانت "عيونهم عيون مودّعين، ويكبرون تكبيرات مخيفة"، مؤكدا أن تصويره لهم جعلهم يصرون على الاستمرار.. حتى تمكنوا من الخروج.

"توثيق لحظة الموت"

وفي موقف آخر في ريف حلب، كان "س." يصور عربة اقتحامية، ليجد نفسه مغمى عليه بسبب سقوط قذيفة هاون بجانبه دون أن تنفجر.

واعتبر "س." أن "التصوير الحربي أخطر من القتال، لأنك لا تدخل بتكتكيكات المعركة والسلاح ونقاط التقدم وأوامر القائد والخندق مع جعبتك ومعداتك، لكنك تحمل مع سلاحك عبء كاميرتك، وشحنها وبطاريتها وكروت ذاكرتها، وعليك تأمينها مع تأمين زاويتك، واستعدادك للدفاع عن نفسك إن اضطررت لذلك". 

بدوره، أشار حلاق إلى أن "هناك العديد من الأشخاص الذين قتلوا أثناء توثيق قصف الطيران الأسدي والروسي، ومنهم من وثق لحظة مقتله"، مؤكدا أن "الأمر يومي ولحظي في سوريا، ولم يمنع الإعلاميين من إكمال عملهم".

وتابع بقوله إن "العديد من السوريين وصلوا للعالمية"، معربا عن "فخره الشديد بكل من ينال جائزة، وكأنه نصر شخصي بالنسبة لي قبل الجميع"، رغم الخطورة التي وصفها بـ"الأمر الواقع الذي لا يمكن الهروب منه"، المتمثلة بالقصف والحصار والتخوف من الخطف.

"مثال للإعلام العالمي"

وقال فؤاد حلاق إن الاعلامي السوري "أو الثوري تحديدا، صار مثالا للعمل لصحفيين غربيين، فالخبرة العملية خلقت عمالقة بالنسبة للتصوير، وصورهم انتشرت في أكبر الجامعات والصحف العالمية، واستطاع الإعلام الثوري بالرغم من ضعف القدرات إيصال ما يجري في سوريا"، مشيرا إلى وجود "تعاطف كبير مع الثورة في كل أنحاء العالم بالرغم من وجود بعض الأخطاء".

وتحدث حلاق عن ما أسماه "القالب الغربي"، الذي توصف به المواد التي يتم تصويرها للتلفزيونات الغربية من قبل النشطاء، حيث "تكون بلا دماء غالبا وبلا أشلاء، والتركيز على الوضع الإنساني والطبي، وكذلك على  الفصائل الثورية والدفاع المدني السوري".

وحول ذلك، قال حلاق إن "الإعلام كان له دور كبير في حملة ترشيح الدفاع المدني لجائزة نوبل للسلام، من حيث التقاط الفيديوهات والصور وتوثيق الحالات التي تم إنقاذها، ضمن عمل متكامل من قبل الإعلام، بتوثيق الجهود الجبارة من الدفاع المدني".

وانتقد حلاق صمت العالم، رغم أن "الرسالة وصلت منذ اليوم الأول للثورة، والعالم بات يعرف ما يجري في سوريا، من نضال شعب مظلوم ضد الاستبداد، وبأن روسيا وإيران والعديد من المليشيات الطائفية تساند الأسد، حتى بات من يخرج من تحت الأنقاض يسأل: ليش بدك تصور؟!"، موضحا أنه "لا أحد يريد أن يسمعنا".

"تأريخ للحظة لا تتكرر"

من جانب آخر، وصف المقاتل والإعلامي الحربي "س." التصوير الحربي بأنه "تأريخ للحظة لا تتكرر"، مهما كانت اللقطات التي يراها المصور "عادية"، لأنها توثق المعركة وتوثق للمقاتلين "وتمنح الشهداء حقهم الذي لا يمنحهم أحد إياه الآن"، بحسب تعبيره.

واعتبر "س." من تجربته أن الإعلام الحربي الحقيقي ليس توثيق المجازر، لكنه "مرافقة المقاتلين بالاقتحام والانغماس والتمشيط والتسلل"، مؤكدا أن وجود الإعلامي الحربي "أصبح نادرا في الثورة"، رغم أن إعلامي الفصيل "شاب بسيط يحمل كاميرا وبندقية، ويخرج مع مجموعته المقاتلة أينما ذهبت".

وأكد أن هذا التوثيق العسكري يصنع "أرشيفا كاملا للمعارك والمقاتلين ويخلدها"، مستشهدا بإمكانية عرض لقطات من هذا الأرشيف للأجيال المقبلة "كي لا تندثر ذكرى الشهداء، ويتحدث أبناؤهم عنهم"، بحسب تعبيره، مبديا استياءه من عدم أخذ ضحايا المعارك حقهم، مع توجه الإعلامي نحو الخبري والعاجل.

ويروي "س." حادثة لـ"أبي الضياء"، أحد أصدقائه الذين قتلوا في المعارك مع النظام، مستشهدا بها على أهمية التأريخ والتصوير، حيث كان "يقلب صفحاته ودفاتره، وقلت له: لو لم يكن هناك ثورة لكنت تدرس الفيزياء والرياضيات والكيمياء، فقال لي: الحمد لله أنني لم أدرس فلم أكن أعلم إلى أين سأذهب، والآن أصبحت أعلم"، وعندما سأله، أجابه أبو الضياء، متنهدا: "الطريق طويل، وأتمنى أن تكون نهايته الجنة"، بينما أشار "س." إلى أنه كان على مستوى عالٍ في الدراسة. 

"سهم في منطقة حساسة"

ووصف "س." الإعلام المدروس بأنه "سهم في منطقة حساسة، لو تمت دراسته جيدا"، مؤكدا أنه "لو تحددت الرسائل وزمانها ومكانها، وتوحد الخطاب لاختلف الوضع كاملا".

واعتبر الإعلامي المقاتل أنه لو كان هناك "مظلة واحدة تجمع الإعلاميين لتم تدمير العدو بما تعنيه الكلمة، لو اخترنا الكلمات، ولم يكن هناك تسريب لخطط وأخبار وهناك ضربة قاضية وحرب أعصاب وحرب إعلامية باردة تربك العدو".

وأوضح بقوله، إن "الإعلام خدعة الحرب هذه الأيام، وهو الوهم الذي تستطيع أن تغرق به عدوك وتهزمه وهو يلعب دورا كبيرا، ولا أقصد به الكاميرا وحسب، ولكن الخطاب نفسه".

واستشهد "س." بمعركة "وادي الضيف"، حيث تكحل عدد من المقاتلين، وتم تسليط الضوء عليهم، لإخافة قوات النظام، وهو ما نجح، حيث كانت قوات النظام تتحدث عن "المكحلين"، والخوف منهم، مؤكدا أن "الإعلام يستطيع أن يربك العدو ويحسن الصورة لنا، بدل الرسائل المتعددة والمختلفة حتى فيما بين التوصيف بين الثورة والمعارضة والجهاد، والخطاب المختلف".

"يأكل نفسه"

وانتقد "س." ما وصفه بـ"الإعلام الثوري"، قائلا إنه "لا يتضمن أفكارا وإبداعات جديدة، مقتصرا على التوثيق الإخباري السريع بدون رسائل"، مشيرا إلى أنه "لا توجد رسائل موجهة للداخل أو الخارج".

وقال المصور الحربي إنه "لا يوجد منبر ثوري يقدم فكرة أو يصور معركة كاملة، كما أنه على قلته ليس بالكفاءة المطلوبة"، مع وجود القدرات والمعدات، بحسب تعبيره.

وأوضح أنه "لا يوجد إعلام يحدثك عن المقاتل كأنه إنسان عادي مثل أي إنسان، وله عائلته، ولا يوجد أحد يقول لك إن المقاتل الذي يحمل السلاح مجبر على ذلك، وغيرها من الرسائل الأساسية البسيطة"، مشيرا إلى أن الإعلام شهد تشتتا بسبب "اختيار الإعلاميين لطرقهم"، ما بين الجهات الإعلامية، ما صعب وجود مظلة إعلامية محددة.
التعليقات (0)