وجه أمريكا الذي كشفت عنه الانتخابات ليس مشرقا أو أخلاقيا. ذلك أن الانتخابات بينت أن الولايات المتحدة مكان يموج بالكراهية، وهو ما مثله ترامب بما لا يدع مجالا للشك.. والمؤكد أن الفائز في الانتخابات سيخطو نحو البيت الأبيض تحيطه ليس هالة من الأمل، وإنما طوفان من مشاعر الازدراء والرفض، ولا أدري كيف يمكن لأمريكا في ظل هذا المناخ أن تمضي إلى الأمام.. خلال عطلة نهاية الأسبوع حضر رجل مباراة لكرة القدم في جامعة ويسكونس وقد ارتدى ثيابا تنكريا بمناسبة "عيد الهالووين"، فظهر على صورة باراك أوباما مع وجود حبل حول رقبته. ومثل هذه التصرفات المنحطة أخلاقيا تزايدت وتيرتها منذ ظهور ترامب على الساحة، بخطابه العنصري ضد الأقليات. إضافة إلى ذلك فإن ترامب يبدي ازدراء واضحًا إزاء القواعد المتحضرة وحكم القانون، مع إقراره للعنف ضد المتظاهرين. كما أنه أعرب عن إعجابه بالحكم الروسي المستبد، وتعهد بشن إجراءات قاسية ضد الصحف، ووعد بالزج بهيلاري كلينتون في السجن. إزاء ذلك فإنني أشعر بالفزع حيال إمكانية فوزه، لأنني مدرك تماما أن الأمريكيين لم يسقطوا إلى هذه الدرجة. وما يثير فزعي حقا هو حجم الضياع الذي نعانيه. لذلك يبقى السؤال: أين تتركنا هذه الانتخابات التي تشير إلى أن القادم أصعب. ذلك أنها لم تؤد إلى تفاقم الفجوة بين الجمهوريين والديمقراطيين فحسب، وإنما أججت الانقسامات داخل كلا المعسكرين أيضا.
ما سبق كله اقتباس من مقالة لأحد كتاب صحيفة نيويورك تايمز (فرانك بروني) نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" يوم الثلاثاء الماضي 7 تشرين الثاني/ نوفمبر تحت العنوان التالي: "لماذا تثير هذه الانتخابات ذعري؟". والملاحظة الرئيسية على المقالة أن الكاتب ركز على ما أثاره خطاب ترامب على الداخل الأمريكي، وكيف أنه أشاع موجة من الكراهية في المجتمع، وأحدث فيه انقسامات ليس فقط بين الأمريكيين والأقليات الوافدة، وإنما أيضا بين الأمريكيين أنفسهم، الأمر الذي روج للممارسات الرديئة والأخلاق المنحطة. على حد تعبيره.
مثل هذا الخطاب ليس مألوفا في التعليق على الانتخابات الأمريكية. ذلك أننا كنا نفكر فقط في احتمالات تأثير نتائج الانتخابات علينا في العالم العربي (للعلم فإن وطأته شديدة هذه المرة) وظللنا على اقتناع بأن الوضع الداخلي مستقر في الولايات المتحدة، وإن التداول بين الجمهوريين والديمقراطيين له قواعده الثابتة تقريبا. استنادا إلى قوة مؤسسات المجتمع إلا أن الأمر اختلف هذه المرة. لأن ثمة انقلابا نسبيا محتملا في الداخل. الأمر الذي يوحي بأن الولايات المتحدة مقبلة على ما يمكن أن نسميه الخريف الأمريكي. وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأننا بصدد الانتقال من الخوف من أمريكا إلى الخوف عليها. وإذا كانت الأسواق العالمية قد اهتزت جراء النتائج التي أعلنت، فإن أصداء الصدمة السياسية في أوروبا لم تتبلور بعد، ولا يستبعد أن يؤدي ذلك إلى إنعاش اليمين الأوروبي، الذي برزت مؤشرات صعوده خلال السنوات الأخيرة.
سنحتاج إلى بعض الوقت لكي نتابع تحليل النتائج والتعرف على العوامل التي حركت الزلزال الذي فاجأ الجميع بمن فيهم مراكز استطلاع الرأي. مع ذلك فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أن المرشحين هيلاري وترامب تفاوتا في الضعف بحيث ظلا يعبران عن الخيارين السيئ والأسوأ. كما أن شعبوبة ترامب مكنته من أن يستخرج أسوأ ما في الأمريكيين حين خاطب غرائزهم ودغدغ مشاعرهم، وحرك ما كان كامنا في الذاكرة والأعماق من شعور بالاستعلاء والعنصرية، ولا تنس أنه رغم إلغاء التميز العنصري ضد السود في منتصف القرن العشرين إلا أن أحداث العام الأخير بينت أن جذورها لم تقتلع بعد من المجتمع الأمريكي، وهو ما اعترف به علنا الرئيس الحالي باراك أوباما. وفي كل الأحوال فأغلب الظن أننا سنشهد خلال السنوات الأربع المقبلة أكثر الأفلام الأمريكية إثارة.
(عن صحيفة بوابة الشروق المصرية)
1
شارك
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
الجمعة، 11-11-201607:09 م
أمريكا و فوز ترامب ..........
جاء ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية عقب حملة انتخابية ناجحة أثرت تأثير وقتي في أصوات الناخبين لصالحه و أكمل حزبه الختام الناجح للحملة في المجمع الانتخابي .
و من الثوابت المعروفة أن تصريحات و وعود الحملات الانتخابية غالباً لا تراوح زمان الحملة بعد أن تكون استنفذت هدفها بوصول المرشح إلى مقعد الرئاسة ؛ و لنا شاهد في السيد أوباما رجل القانون المعروف و الرئيس لفترتين متتاليتين و الواعد بأغلاق معتقلات جوانتاناموا و ها هو يرحل من البيت الأبيض و لم ينفذ وعده .
و أيضاً من الثوابت أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات لها خطوطها الثابتة التي يبنى عليها بناء تراكمي من أدارات البيت الأبيض المتعاقبة و ليست بلاد الحاكم الفرد و لا سياساتها رأى و هوي فرد و لكن مخرجات سياستها من حزبين كبيرين " الجمهوري و الديمقراطي " في أطار مؤسسي يراعى مصالح أمريكا سواء أن كانت معاهدات و اتفاقيات و هي في الغالب من نصيب الديمقراطيين أو حروب و دمار في مكان ما في العالم لأنقاذ مصالح و ميزانيات أمريكا المديونة بأكثر من 500 تريليون $ و أنتاجها من الأسلحة واجب تسويقه و تشغيل مصانعه حفاظاً على سوق العمل الداخلي و أجمالي الدخل القومي للبلاد .
و تبقي أمريكا ذات الأوجه القبيحة خارجياً بأجرامه في حق الأنسان من أجل مصالحها و الأوجه القبيحة داخلياً بعنصرية و تفسخ اجتماعي و انحطاط أخلاقي و لكن كل شيء تحت سيطرة مؤسسات تجيد الأدارة و هذا هو كلمة سر سيطرة و سطوة أمريكا عالمياً