كتاب عربي 21

الأمة العربية إلى أين؟

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
الناظر لحال الأمة العربية اليوم يتعجب من الذل الذي وصلت له الدول والحكومات أمام جميع الأمم الكبرى والصغرى.

الأمة العربية تملك ثروات وأوراقا تستطيع – لو أحسنت استخدامها – أن تضمن كلمة عليا في كثير من النزاعات العالمية، أو على الأقل تستطيع أن تحافظ على مصالحها وحقوقها في القضايا المختلفة، ولكن شيئا من ذلك لا يحدث، ونرى أمتنا العربية اليوم هي اليد السفلى في الاقتصاد، والــ(الحيطة المايلة) في السياسة.

إن السبب الأكبر لما وصل له حال الأمة العربية اليوم هو حكومات وأنظمة أغلبها لا يملك من شرعية الحكم شراك بعير، فهي مجرد عصابات مسلحة تستولي على قوت الناس وقرارهم بقوة السلاح، ولا عزاء لمن يُمنّي نفسه بدولة القانون.

لقد كان بإمكان هذه الأنظمة أن تترك لنفسها هامش مناورة ضد النظام العالمي الذي يستهدف ثرواتها بكل الطرق الممكنة، ولكن هذا الهامش يقتضي من الحاكم أن يتنازل ولو قليلا للمحكوم، لكي يحظى بشيء من الدعم الشعبي، وبشيء من الاصطفاف الوطني، الذي يؤدي إلى جبهة داخلية شبه متحدة أمام أي عدوان أو ابتزاز خارجي.

تدافعت تلك الأفكار في ذهني وأنا أراقب ما فعله الكونجرس الأمريكي بإصداره لما سمي بقانون "جاستا"، أو قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، ويتيح القانون للمحاكم الفدرالية في الولايات المتحدة النظر في دعاوى مدنية ضد أي دولة ذات سيادة، قدمت بعلمها أو بنحو متهور دعماً مادياً أو موارد بشكل مباشر أو غير مباشر للأفراد أو المنظمات التي يحتمل بنسبة كبيرة ارتكابها أعمالاً إرهابية. 

صياغة فضفاضة (حتى لو أدخلوا عليها تعديلات كما صرحوا) تتيح لأي شخص تم تصنيفه كضحية لأي حادث إرهاب أن يقاضي أي دولة، وأن يحملها مسؤولية ذلك العمل الإرهابي، ولو صدر حكم ضد هذه الدولة من أي محكمة أمريكية ستصبح هذه الدولة مضطرة لتعويض هذا المواطن الأمريكي، أو على الأقل ستكون تحت قصف الإعلام الأمريكي، وعرضة للابتزاز السياسي من العالم كله.

اعترض الرئيس أوباما على القانون، واستخدم حق "الفيتو"، لكن الكونجرس استمر في إجراءاته، وأبطل هذا الاعتراض، وأقر القانون، وأصبحت المملكة وأموالها (التي هي أموال الأمة) تحت تهديد كبير.

تملك المملكة العربية السعودية ما يقرب من ترليون دولار في الخزائن الأمريكية، وفي الاقتصاد الأمريكي، وهذا سلاح يمكن استخدامه (لو وُجدت الإرادة السياسية)، بل إن مجرد التلويح باستخدامه من الممكن أن يهز الولايات المتحدة الأمريكية بشكل يعرض مؤسساتها المالية الكبرى لخطر كبير، ولكن ... ألا يعلم الأمريكيون ذلك؟

الحقيقة إنهم يعلمون ... وتجميد الأصول والودائع السعودية في أمريكا (وهي مئات المليارات) أصبح احتمالا واردا. 

إن ما يحدث للمملكة اليوم من الممكن أن يحدث للجميع، ومن الممكن استهداف أي دولة عربية لو مرّ هذا الأمر، وبإمكاننا أن نقارن بين عقاب الولايات المتحدة للملكة، وبين مكافأتها لإيران، لنتعلم الفرق بين الدول التي تملك مشروعا، وبين الدول التي لا تملك المشروعية !

يقول البعض : "دعم السعودية واجب"، وهذا صحيح ... لكنه مستحيل !

دعم المملكة العربية السعودية لا يمكن أن يتم دون أن تتحرك المملكة أولا خطوات تجاه من يمكن أن يدعمها (عن الشعوب العربية أتحدث).

إن تمويل الانقلابات العسكرية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، والاستسلام لمخططات دولة المؤامرات (دوليا وإقليميا)، والانجراف في عداء لا معنى له لحركات الإسلام السياسي المعتدلة، وتحجيم دور الاتجاهات السياسية غير الإسلامية، وخلط السياسة بالدين، والتورط في حروب لا تخدم إلا المشروع الإيراني المجتهد (بحجة مقاومته)، والاستسلام لممارسات طائفية تفتت الوحدة الوطنية أمام المشروع الإيراني ... لا يمكن أن تؤدي إلا إلى حالة احتقان يستحيل معها بناء جبهة تقف إلى جوار المملكة في مواجهتها مع أمريكا.

إن حقيقة الأزمة في أمتنا هي أن الأنظمة تعتبر علاقتها مع الولايات المتحدة أساس البقاء في السلطة، وتعتبر شعوبها خطرا عليها، والحل الوحيد هو أن ينعكس هذا الوضع، فيتصالح الحاكم والمحكوم (صلحا حقيقيا لا مجرد شعارات وعناوين في الصحف)، وأن تتغير طبيعة العلاقات العربية الأمريكية من تحالف استراتيجي إلى علاقة ندٍّ بندٍّ، ووقف دفع الجزية السياسية التي داوم العرب على دفعها منذ عشرات السنين.

هل يمكن أن يحدث ذلك؟

من الناحية النظرية ممكن، ولكن من الناحية العملية مستحيل، تابع تصريحات المسؤولين العرب عن وفاة السفاح شيمون "بيريز"، وستدرك حينها إلى أي درك وصلنا !

تابع التقارب المصري الإسرائيلي بقيادة العميل الذي زرع في رئاسة الجمهورية عبدالفتاح "سيسي" وستدرك أن المعركة مع هذه الأنظمة أولا !

هل بهؤلاء يمكن أن يبني العرب استراتيجية علاقات خارجية قائمة على الاستقلال الوطني؟

لا تستطيع أي دولة أن تقف ضد الولايات المتحدة وحدها، وهناك أوزان في السياسة الدولية لا يمكن تجاوزها، والعقدة الحقيقية للأمة العربية في القاهرة، والحل كذلك في القاهرة، وكلمة السر هي الاصطفاف الوطني ضد النظام الحالي الذي يحتل مصر احتلالا عسكريا بقوة السلاح.

إن إسقاط الحكم العسكري العميل في مصر هو الطريق الوحيد لإنصاف الأمة العربية كلها، وبدون أن تنصلح أحوال مصر ستظل الأمة العربية رهينة العلاقات الدولية والتحالفات الاستراتيجية الظالمة التي تستباح بها السيادة، ويقتل بها المهمشون، وتضيع بها الثروات، وتنتهك بها الأعراض، وترهن بها أجيال جديدة.

من المؤسف أن يتوقف الفعل الثوري في مصر بسبب خلافات سطحية، واشتباكات حول ملفات فرعية، من أناس لا يدركون أهمية اللحظة الحالية، ولا يفهمون معنى بقاء الوضع على ما هو عليه لفترة طويلة.

هل يتحرك الشرفاء من أجل مصر والأمة العربية؟ 

سنرى الإجابة قريبا بإذن الله تعالى ...

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...

عبدالرحمن يوسف
موقع إلكتروني :  www.arahman.net
1
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
السبت، 01-10-2016 03:33 م
السيادة لا تمنح ............... أن أكون سيداً في قومي هذا ليس بمنحة بل بجهد مبذول و عمل دؤوب منى في خدمة قومي و مراعاة الأواصر التي تربطني بهم و أتباع الأصول المعتبرة في التعاطي معها كما أن قومي لابد أن يكونوا على قدر في ميزان الأمور و أدراكها و وضع كل شيء في نصابه بعدل و ليسوا بأمعات و لا طماعين و لا تابعين أو منافقين ؛ فإذا كانت هذه هي أسس ظهوري كسيد في قومي يتمتع بالسيادة و الهيبة و الوقار في التعامل مع أقوام أخرين فإن سيادة الدول أشمل و أعم في العلاقة بين المؤسسات التي تمثل الدولة في المجتمع الدولي و منظومة الحكم و الشعب المحكوم علاوة على عاملين يميزان الدول عن بعضهم البعض القدرة الاقتصادية و القوة الضاربة العسكرية و القدرة الاقتصادية ليست هذه القدرة الممثلة في استثمارات خارجية أو مساهمات في شركات متعددة الجنسيات و القوة الضاربة العسكرية ليست بجيوش تستور أسلحة و تكنولوجيات مسيطر عليها بل تلك الجيوش التي تصنع سلاحها و تحتفظ بأسرار عسكرية لصناعتها فلا نتحدث على سيادة الدول العربية بل نبحث على تحقيق أمل هذه السيادة و سبيل الوصول إليها .