مقالات مختارة

نقد ذاتي نادر

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
نادرا ما نسمع عن نقد ذاتي مارسه أحد المسؤولين العرب، أندر منه أن يتم ذلك النقد في العلن وعلى ملأ من الناس. لكن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس فعلها. إذ مارس ذلك النقد بشجاعة في جلسة حوارية بثتها قناة الجزيرة على الهواء يوم السبت الماضي (24/9) (دعا إليها مركز الجزيرة للأبحاث والدراسات وشهدها جمع من المثقفين العرب). ولم يقتصر نقده على تجربة حماس في غزة فقط، ولكن النقد شمل أيضا سلوك وموقف الحركات الإسلامية أثناء الربيع العربي.

تحدث أبو الوليد في أمور كثيرة تتعلق بالوضع الفلسطيني والعلاقة بين فتح وحماس وصمود الأخيرة وقدراتها. ولكن شق النقد الذاتي الذي مارسه لفت الأنظار واستأثر بالاهتمام، خصوصا أنه كان الأقرب إلى موضوع الحلقة الذي كان عنوانه «تحولات الحركات الإسلامية». عن تلك التحولات ذكر ما يلي: إن الإسلاميين وقعوا في خطأين خلال مرحلة الربيع العربي أولهما المبالغة في تقدير الموقف، سواء بالنسبة لقدراتهم الذاتية أو بالنسبة لسلوك ورد فعل القوى المتضررة من الربيع على المستويين المحلي والإقليمي. وكانت تلك إشارة إلى أنهم بالغوا في قدراتهم وهونوا من شأن قوى الثورة المضادة، وأرجع ذلك الخطأ إلى عوامل عدة بينها المبالغة في الرهان على القوى الذاتية، فضلا عن قلة الخبرة وغياب المعلومات الدقيقة المتعلقة بالأجواء المحيطة، إلى جانب وقوعهم في فخ التضليل من الجانب الآخر.

الخطأ الثاني الذي وقع فيه الإسلاميون تمثل في ضعف كفاءة التعامل مع شركاء الوطن، حيث «ثبت بالتجربة العملية أن الأغلبية في الصناديق مهمة، لكنها لا تكفى للانفراد بالقرار وبإدارة المؤسسات العامة».

في حديثه عن أخطاء حماس في غزة قال خالد مشعل إن أحد أعضاء مركزية فتح زاره أثناء تواجد الحركة في دمشق فقال له: أخطأنا لما ظننا أن زمن فتح ولى وأننا البديل. وأنتم أخطأتم عندما تعاملتم مع حماس بأنها يمكن أن ترضى بنظام «الكوتة». وإنه لا حاجة للشراكة معها. وأضاف لقد استسهلنا أن نحكم وحدنا، وظننا أن ذلك أمر ميسور. واكتشفنا أن ذلك ليس سهلا، حيث تأكد لدينا أن نظرية البديل فكرة خاطئة، وأن المنهج الصحيح والمسار الأصوب يتمثل في الشراكة والتوافق. لذلك فإنه بعد الاقتراع الحر ينبغي أن نذهب إلى الشراكة والتوافق الوطني، ودعا إلى تطبيق الفكرة في الساحة الفلسطينية بحيث لا تنفرد حماس بقرار الحرب ولا تنفرد فتح بقرار التسوية، حيث لا مفر من صياغة برنامج مشترك يعبر عن الجميع.

كلام أبو الوليد له أهمية خاصة لأنها المرة الأولى التي يفتح فيها ملف المراجعة من جانب قيادة على هذا المستوى. صحيح أن السيد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، أبدى ملاحظات حول الموضوع في بعض أحاديثه، كما أن ثمة لغطا يدور حول نقد التجربة المصرية داخل السجون وبين القيادات المقيمة بالخارج، لكن الكلام المحدد الذي ذكره السيد خالد مشعل يبدو جديدا. ويفتح الباب لمناقشة جادة لتقييم ما جرى واستخلاص دروسه. وللأسف فإن تلك المناقشة الضرورية غير متاحة في مصر في الوقت الراهن، لأن المناخ العام معبأ بقراءة واحدة للتجربة وبكم هائل من المعلومات التي تحتاج إلى تدقيق وتصويب. ناهيك عن الموقف الرسمي مع إغلاق الملف وطي صفحته، وهو خيار يتبناه نفر من المثقفين وعناصر الطبقة السياسية، ويحبذه الخطاب الإعلامي المهيمن. ستظل تلك ثغرة لابد أن تعالج يوما ما، ليس فقط لكي نفهم ما جرى، ولكن أيضا لكي نتمكن من التوافق على صيغة لابد منها للتعايش في المستقبل، وهو أمر مشروط بتحلي مختلف الأطراف بالشجاعة التي تمكنهم من الصدق في نقد الذات، لأننا لا نستطيع أن نطمئن إلى مستقبل ينبني على قاعدة عريضة من الأكاذيب والأخطاء والمكائد.

(عن الشرق القطرية)
1
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
الخميس، 29-09-2016 08:27 م
أوراق عالم السياسية ................... من المعروف أن السياسية هي " فعل الممكن في حدود المتاح لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة و تجنب جميع الخسائر أن أمكن " و لممارسة السياسية لابد أن يكون لك أوراق تمتلكها و تجيد تحريكها و المبارزة بها و أقناع غريمك السياسي أن الأوراق التي تمتلكها لا سبيل له في تجاوز قوتها و فعالياتها و أوراق عالم السياسية هي " السلاح و المال و قاعدة شعبية عريضة تؤمن بالإيدلوجية التي تتبنها " . و بالنظر للتجربة الأسلامية في إيران أو تركيا نجد الأولى راديكالية و الثانية خاضت غمار الخطوة خطوة و معالجة كل كبوة و تحمل سلبيات العثرات و التصحيح و مازالت على هذا النهج ؛أما بالنسبة لحماس و الربيع العربي ليس فقط الكبوات و العثرات و الثورات المضادة و لكن أيضاً قيمة سلبية مضافة لتدخلات خارجية من أقوى قوى عالمية في عالم السياسية هذا الذى يجعل من حماس ممارسة السياسية و المداهنة بجوار السلاح و البحث عن المشاركة حتى تحد من التيار المضاد المتألف داخلياً مع الغريم الخارجي أما الربيع العربي فإنه أن وجد لحمل السلاح بجوار ممارسة السياسية فأننا نجده في الحركة الأسلامية اليمنية لتكرار الغريم الداخلي نقض العهود و المواثيق و طموحه للانفراد بالسلطة قهراً و بقوة السلاح رافضاً المشاركة على أساس حجمه الطبيعي في المجتمع و نجد الحركة الأسلامية في سوريا تحمل السلاح بأفتاء شرعي صحيح و أن وجدت للسياسية باب صادق فإنها ستدخله أما الحركة الأسلامية في مصر و تونس و أضف إليهم موريتانيا فإنها مستأنسة لا تواجه العسكر القابضين الفعليين على السلطة و تتخذ من سياسية النفس الطويل لترسيخ قوة القاعدة الشعبية العريضة المؤيدة أو المحبة لها و لا نستطيع أن ننكر أنها نجحت في هذا المضمار بدرجات عالية و لا مانع عندها إذا ما وجدت ثقافة المشاركة فأنها ستفعل و يوماً ما ستنفرد بالسلطة أو تكون على رأسها كما في تركيا و ثقافة المشاركة السياسية لا تولد بين فئات الشارع السياسي في أي مكان إلا إذا اقتنعت جميع الفئات أنها منفرده تفشل و تُفشل دولة أو قضية . و ندوة القائد خالد مشعل " أبو وليد " لنقد الذات و البحث عن المشاركة موجهة سياسياً للنسيج الفلسطيني الذى فئته المختلفة مع فئة خالد مشعل و الممثلة في فتح التي أصبحت يسار مفكك مؤهل لأن يكون يسار بيد العدو و حلفائه .