شمال سوريا بدءا من حلب حتى إدلب فالحدود مع تركيا هو الذي سيقرّر بنتيجة الحرب الدائرة فيه وعليه إذا كانت الدولة السورية ستُقسّم أو ستبقى واحدة. هذا ما يعتقده "معسكر الممانعة" المؤلّف من نظام الأسد والجمهورية الإسلامية الإيرانية وحليفه الأيديولوجي بل ذراعه العسكري "حزب الله".
وربما تكون روسيا فلاديمير بوتين أصبحت جزءا منه لاعتبارات ومصالح تختلف حتى "التناقض" عن الاعتبارات والمصالح التي تجمع هؤلاء وتتلاقى معها أحيانا، وهذه هي الحال الآن.
لهذا، يؤكّد قريبون عرب من "المعسكر" المُشار إليه، تركيزه على حلب ومحاولته الدائمة إقناع روسيا بتوفير الغطاء الجوي الحربي لمقاتليه كي ينجحوا في استعادة الجزء الشرقي منها الذي تسيطر عليه ومن زمان المعارضة السورية، بغلاتها ومتشدّديها وإرهابييها وفقا للتصنيف الدولي ومعتدليها.
طبعا لم تكن روسيا سهلة الاقتناع لأسباب متنوّعة. وتسبّب ذلك أكثر من مرّة بخلافات جدّية بينها وبين حلفائها داخل "المعسكر" نفسه، وخصوصا بعدما فشلت البدائل في استعادة حلب كلها التي اقترحها المسؤولون العسكريون الروس وتسبّبت بخسائر عسكرية مهمة لهم. لكن يبدو أنها اقتنعت هذه المرة وخصوصا بعد "انفراط" الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار أو لوقف العمليات العدائية أو للهدنة، الذي توصل إليه وزير خارجيتها سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري. هل تكفي الحملة البرية الأسدية – الإيرانية – المليشياوية لاستعادة حلب لتكريس وحدة سوريا وتلافي تقسيمها؟
القريبون أنفسهم من معسكر الممانعة يجيبون بالقول أن ذلك يتوقّف على عاملَين: واحد إقليمي وآخر دولي. الأول هو تركيا وتدخّلها العسكري شمال سوريا أخيرا (إي قبل أشهر قليلة)، بعد انتظار طويل فرضته عليها مواقف عدة إقليمية ودولية وتطورات داخلية مهمة. طبعا لم تصل بعد القوات التركية إلى حلب، ولا شيء يمنع مستقبلا وصولها إليها. لكن يكفي أن تضع تحت جناحيها العسكري والسياسي إدلب وجسر الشغور ومناطق أخرى، وأن تتوجه نحو مناطق أخرى بمباركة خارجية وتحديدا أميركية كي تدخل سوريا مرحلة التقسيم الواقعي التي ستطول إلى أن يجترح المجتمع الدولي المتناقض وحلفاؤه العرب والمسلمون تسوية نهائية لسوريا ومحيطها تنهي الحروب وتبني دولا جديدة على أنقاض القديمة المنهارة.
وفي هذا المجال يشير هؤلاء إلى أن الحركة التركية هذه لا بد أن تزعج الأسد وإيران وروسيا. وهي تثير الآن مخاوفهم التي عبّر عنها قيادي عسكري في "حزب الله"، المقاتل الأشرس في سوريا إلى جانب النظام، بقوله: "إذا دخل الأكراد مدينة منبج ستدخل تركيا قطعا". وهذا الاحتمال وارد لأن الأكراد حلفاء لأميركا وهي تعتمد عليهم عسكريا في سوريا لضرب "داعش" في مناطق، ولمنع سيطرة "معسكر الممانعة" عليها بعد ذلك، ولأن تركيا حليفة لأميركا رغم عودة علاقتها مع بوتين، ولأن مصالحها في سوريا تتناقض مع مصلحة روسيا فيها.
في أي حال يعتقد القريبون أنفسهم أن الحرب في سوريا بما في ذلك معركة "استرداد حلب" الجارية الآن، لا تزال حرب كرّ وفرّ رغم المكاسب التي حققها الأسد وحلفاؤه حتى الآن. ويشدّدون على أن الهدف من أي تقدم عسكري سوري – إيراني – روسي يتحقق ليس الحسم، بل التوصّل إلى مفاوضات تسوية سياسية تكون على الغالب في مصلحة الأسد رغم مظاهرها التجميلية.
ما رأي جهات متابعة موضوعية في التحليل الطويل هذا للقريبين من "معسكر الممانعة"؟ هي تعتقد استنادا إلى معلوماتها أن وحدة سوريا يهددها الشمال المجاور لتركيا (حلب خصوصا) وكذلك الرقّة والمناطق المحيطة بها في المقلب الآخر حيث لا تزال "دولة الخلافة الإسلامية" قائمة. فالموصل العراقي وهو جزء من هذه الدولة والرقّة لن يتحررا من "داعش" إلا بموافقة أميركية ودعم أميركي.
والأولى لن تعود إلى العراق الذي تسيطر عليه إيران بواسطة شيعته وهم حلفاؤها، والثانية لن تعود إلى نظام الأسد، إذا لم تحصل مفاوضات من دون أجندات مخفية وبنيّات صادقة بين أميركا وروسيا وايران والأسد والسعودية وكل الدول المعنية، وإذا لم تسفر عن نتائج في مصلحة الجميع. لذا فإن التأكيد على أن جغرافية كيانات سايكس – بيكو لن تتغير وأن التغيير سيحصل داخلها أي بواسطة الأنظمة سيكون في غير محله. إذ لا شيء يمنع قيام دولة سنيّة (سنّستان) في جغرافيتين متجاورتين سورية وعراقية متصلتين بالسعودية وربما بالأردن، وقطع أي وصل جغرافي بين عراق إيران وسوريا الأسد.
النهار اللبنانية