أزمة الثقة بين أمريكا وروسيا كبيرة في رأي الصديق الأمريكي نفسه المتابع علاقات الدولتين والتطورات الجارية في المنطقة، وهي لم تجد طريقها إلى الحل رغم محاولات التفسير التي يعطيها أبناء الشرق الأوسط؛ ذلك أن هؤلاء منقسمون طوائف ومذاهب يتقاتل أبناؤها في سوريا والعراق واليمن، وقد يتقاتلون لاحقا في غيرها، والهدف الفعلي لكل منها هو السيطرة، علما أنهم يتقاتلون بالوكالة أيضا عن جهات إقليمية ودولية، ومن شأن ذلك جعل استنتاجاتهم وتقويماتهم السياسية غير دقيقة.
هذا الواقع، جعل هؤلاء يعتقدون أن روسيا لم تكن لتتدخل عسكريا في حرب سوريا لولا تفاهمها مسبقا مع أمريكا، علما أن الحقيقة قد لا تكون كذلك؛ فأمريكا عرفت أن قوات موسكو ستتدخل، لكنها لم ترفض ولم تهدّد كما أنها لم ترحّب ولم تبدِ الاستعداد للمساعدة العملانية. جعلت نجاحات القوات الروسية في البداية الرئيس بوتين وإيران يعتقدان أن بالإمكان جرّ أمريكا إلى تسوية سياسية غير متوازنة تكرّس سلطة الأسد وإن بصيغة جديدة، لكن الضغط المُشار إليه لم يفعل فعله؛ فواشنطن غير متورّطة عسكريا في سوريا وتستطيع، إذا استمرت موسكو وطهران في اللعب والمناورة، تخييرهما بين أمرين: الأول التصرّف بجدية وعلمية والتخلّي عن سياسة استغباء واشنطن أو الاستخفاف بقدراتها. ومن شأن ذلك فتح طريق وقف فعلي للنار وللعمليات العدائية، وإطلاق مفاوضات توصل إلى تسوية تنهي الحرب والأزمة السياسية، وتؤمّن مصالح الكبار الإقليميين والدوليين.
أما الأمر الثاني، فهو استمرار الاقتناع بإمكان إيقاع أمريكا في الخسارة بالحرب والألاعيب، وهذا تكرّر أخيرا بين وزيري خارجية روسيا وأمريكا لافروف وكيري في الاتفاق الذي توصّلا إليه. وفي حال كهذه فإن أمريكا ستترك موسكو وطهران تسعيان إلى انتصارات تعزّز موقفهما التفاوضي، وتستدرج أمريكا لقبول خسارة فعلية بتسوية تنقذ ماء وجهها، لكنها في الواقع هي تترك كل منهما تغرق في أفغانستانها وتتفرج على استنزافها، كما على توسّع الحرب في المنطقة والدمار شبه الشامل الذي سينجم عنها. وهاتان العاصمتان لن تكونا رابحتين في نهاية المطاف.
هل تعثّر الاتفاق الأمريكي – الروسي الأخير أو إخفاقه نهائي، وتاليا يؤدي إلى الاستنزاف المُشار إليه؟
الصديق الأمريكي المتابع نفسه يقول إن ما يجري في سماء سوريا مثير ويعبّر عنه سؤال مهم، هو "من فعل ذلك؟"، فأمريكا اعترفت بقصفها خطأ قوات سوريا في دير الزور قبل أيام، وحمّلت روسيا مسؤولية ذلك؛ لأنها لم تُعلِمها بوجود هذه القوات في تلك المنطقة. لكنه يتساءل: هل كان هذا القصف خطأ أم "ردّة رجل" للأسد الذي قصفت قواته قبل أسابيع موقعا أمريكيا - كرديا مشتركا؟ ويبدو أن إدارة أوباما منخرطة في سياسة كهذه، ولكن من دون إعلانها رسميا.
أما في ما يتعلق بقصف قافلة المساعدات الدولية، فإن معلومات واشنطن تؤكد أن روسيا قامت به، لكنها لن تعلن ذلك رسميا؛ تلافيا لإظهار تفوقها في جمع هذا النوع من المعلومات، علما أن الروس أُعلموا أن الأمريكيين يحملونهم مسؤولية القصف، وأن العلاقات معهم تتجه من سيئ إلى أسوأ.
ويبدو أن الروس قرروا الآن إلقاء نظرة مختلفة على استراتيجيتهم وتكتيكاتهم، ولا سيما بعد إعلان وزير الدفاع الأمريكي أنه ومستشاريه العسكريين يعارضون وقف النار؛ لأنه يعطي روسيا أكثر مما تستحق. ويبدو أيضا أنهم مستقتلون لمعرفة طريقة حصول الأمريكيين على "داتا" المعلومات وطريقة اختيار الأهداف، لكن القيادات العسكرية الأمريكية ليست مستعدة للتشارك معهم في ذلك، وهذا واقع يجب أن يقلق الرئيس بوتين، وخصوصا بعد التصريحات الأخيرة للمرشحة الرئاسية كلينتون.
باختصار، يقول الصديق الأمريكي نفسه، إن الأسد يمثّل جوهر الأزمة بين واشنطن وموسكو؛ فهو يعتمد على الأخيرة ومعها طهران، لكن السؤال الذي يُطرح هو: القيادة لمن؟ فبشار مثل والده الأسد الراحل لا يثق بالاثنين، لكنه مضطر إلى الاعتماد عليهما كي يتلافى خنقهما إياه "بعواطفهما"، وتساعده معرفته بحاجة العاصمتين إليه لتنفيذ استراتجيتهما الإقليميتين وبعدم وجود بديل عنه عندهما.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيتعب الروس والإيرانيون من الأسد ومتى؟ وهل سيحاولون معا أو منفردين البحث عن بديل منه؟ ليس لديهما جواب على ذلك، لكنهما يعرفان أنهما في مستنقع أو ورطة، وأن الصراع الدائر قد يستمر مدة طويلة، ولا بد أنْ يكلّفهما الكثير.