لم يردم تشكيل
المجلس السياسي باليمن هوة الخلافات بين جماعة "أنصار الله" (
الحوثي) وحزب المؤتمر الشعبي العام (جناح المخلوع علي
عبد الله صالح) التي تزداد حدتها يوما بعد آخر حول عدد من الملفات المرتبطة بتقاسم السلطة، ما يشير إلى أن تلك الخلافات باقية وتتمدد، بحسب مراقبين.
وأبدى مؤيدو صالح امتعاضهم وتذمرهم من تحركات جماعة الحوثي الانفرادية المغايرة لنصوص الاتفاق الشهير الذي وقع عليه في 28 تموز/ يوليو الماضي.
وبموازاة ذلك، بات أنصار صالح ينظرون للخطوات الأحادية والانفرادية التي ينتهجها الحوثيون في سياقات عدة بعين الريبة والتوجس من مصير العلاقة بينهما، رغم إعلان الحزب رسميا
التحالف معهم، وحشد جماهيره لتأييد تركيبة المجلس السياسي المتشكل في آب/ أغسطس الماضي.
ولعل أبرز الخطوات التي رصدتها "
عربي21" الزيارة التي قام بها وفد حوثي برئاسة محمد عبدالسلام إلى بغداد بعدما غادر مقر إقامته في مسقط في 28 من آب/ أغسطس الماضي، دون أن يعلم بها أعضاء وفد حزب صالح الذين يقيمون في الفندق نفسه بُعمان إلا من وسائل الإعلام، وفقا لما تحدث به مصدر خاص لـ"
عربي21".
كما أن قرارات التعيين التي أطاحت بمسؤولين موالين لصالح في عدد من المدن، تلقوها باستياء وامتعاض شديدين، ذلك أن "
عربي21" استمعت لشكاوى ومخاوف مديرين من حزب المؤتمر من حالة الإقصاء الذي دأب عليه الحوثيون منذ تشكيل المجلس السياسي.
وعلى الرغم من الحديث عن التقارب بين المخلوع صالح والرئيس الدوري لمجلس الحكم الجديد، صالح الصماد، الذي عين تلبية لرغبة الأول، يبدو أن الحوثيين يدركون جيدا "رقص الرجل على رؤوس الثعابين"، كما كان يحلو له الاستشهاد بهذه العبارة أثناء حكمه للبلاد.
وظهر التباين بين الحليفين في صنعاء إلى العلن، أمس الأربعاء، بعدما أعلن مقربون من صالح تنصل "الحوثي" من تطبيق الاتفاق الموقع بينهما بشأن سلطات المجلس وتقاسم المناصب في المدن التي يسيطرون عليها، وحل اللجنة الثورية العليا التي يرأسها محمد علي الحوثي التي عادت لتمارس صلاحياتها مع بقاء المجلس دون أي مهام.
إلى جانب ذلك، فجرت "قناة
اليمن اليوم" المملوكة لصالح، أزمة مع الحوثيين عندما بثت خطبة عرفة التي ألقاها الداعية السعودي، عبد الرحمن السديس، ومنها دعاؤه على الحوثيين الذين أسماهم بـ"الروافض والمجوس باليمن"، وهو ما دفع قياديا بالمكتب السياسي للحوثي بالتهديد بإغلاق القناة قبل أن يتم احتواء الأزمة ببيان اعتذار أصدره مكتب صالح اعتبر البث "خطأ مهنيا".
وكشف عيد الأضحى المبارك عن حجم التباين بين الحليفين، حيث وجه "صالح" و"الحوثي" كلمتين منفصلتين للشعب اليمني بمناسبة حلول العيد، على الرغم من إعلانهما أن ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" بات هو الممثل لهما ومن يدير البلاد سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
مجلس من دون مهام
وفي هذا السياق، أعلن الصحفي في مكتب صالح، علي الشعباني، عن إبقاء الحوثيين سيطرتهم على إدارة الدولة بجوانبها الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والخدمية بشكل منفرد "دون شراكة مع أحد"، في تلميح منه إلى حزب المؤتمر.
وقال الشعباني في منشور له على حسابه بموقع "فيسبوك" إن الشراكة بين حزب المؤتمر (جناح صالح) وجماعة الحوثي لا تزال في إطار المكاتب والاجتماعات في المجلس السياسي فقط، مؤكدا أن الدولة وإدارتها لا زالت بيد الجماعة ومشرفيهم ولجانهم الثورية.
وتابع قوله إن تحويلة (الاتصالات) التابعة للقصر الجمهوري بصنعاء، يتلقاها رئيس الثورية العليا، ولا يستطيع رئيس المجلس السياسي "صالح الصماد" ونائبه "لبوزة" استقبال أي اتصال دون موافقة "محمد وعبدالكريم الحوثي".
وأوضح الشعباني أن "المجلس السياسي لم يستلم مهامه ولم يباشر فيها منذ إعلانه بسبب شلة الإعلان الدستوري والمشرفين (في إشارة للجان الثورية) الذين يغلبون مصالحهم أولا فوق مصلحة الوطن والشعب والدستور والقانون"، حسب تعبيره
ونص اتفاق 28 تموز/ يوليو الماضي على تشكيل المجلس السياسي مناصفة بين صالح والحوثي على أن يتم حل اللجنة الثورية العليا وإلغاء الإعلان الدستوري الذي تشكلت بموجبه اللجنة في شباط/ فبراير 2015، لكن ذلك لم يحدث وفقا لما ذكره الشعباني.
اتهام مضاد
من جهته، اتهم قيادي بارز في جماعة الحوثي حزب صالح بالتنصل عن تعزيز جبهات القتال مع قوات الجيش الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي، ولمح إلى أن تراجع الحوثيين في الأطراف الغربية من محافظة مأرب سبب تخلف أنصار صالح عن رفد تلك الجبهة.
وقال رئيس تحرير صحيفة "المسار" التابعة للحوثي، أسامة ساري في سياق رده على الصحفي في سكرتارية صالح، إن عليه ألا يقلق أو "يربش من ذلحين" بمعنى "يخلط الأمور من الآن". ودعاه إلى الاطمئنان من عدم قدرة القوات الحكومية على دخول صرواح، فما زال لديهم "رجال مقاتلون".
وأضاف "ساري" في تعليق نشره ردا على سكرتارية علي صالح بموقع "فيسبوك" أن إعلان تنصلهم ليس وقته الآن، بل عليهم التأخر حتى انتهاء رجال الحوثي المقاتلين كي يتجمل حزب المؤتمر "بمواقفهم وتضحياتهم"، في اتهام مبطن لعلي صالح بالتخلف عن وعوده في رفد الجبهات بمقاتلين وجنود موالين له.
وكان الجيش اليمني قد أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري، السيطرة على مساحات واسعة في مديرية صرواح غربي مأرب، بعد أيام من إطلاقه عملية حملت اسم "نصر2" لتحرير البلدة الواقعة على تخوم صنعاء وآخر معاقل الحوثيين في مأرب.
الناشط الحوثي هاشم المرتضى، علق في سياق الجدل المحتدم بين أنصار صالح والحوثي بشأن الشراكة بينهما، قائلا: "إن الذي يريد الشراكة مع الحوثيين عليه أن يرفد الجبهات بالمقاتلين، فمن غير المقبول أن يتحمل الحوثيون القتال وحدهم في الجبهات".
وأضاف في تعليقه على "بيان الصحفي الشعباني" بـ"فيسبوك" أن الاتفاق بين الحوثي وصالح معناه اتفاق على مواجهة ما أسماه بـ"العدوان" لا على شراكة "المكاتب"، في إشارة إلى تقاسم السلطات في المدن الخاضعة لسيطرتهما.
ولم يتسن لـ"
عربي21" التأكد من صحة المعلومات الواردة في حسابات الشعباني وساري والمرتضى بموقع "فيسبوك" من مصدر في حزب صالح وجماعة الحوثي.