يقول "
الإخوان المسلمون" بأنه أحد قادة الجماعة ومؤسيسها الكبار بعد اغتيال حسن البنا، فيما يؤكد خصومهم "بأنه من أوائل منظري فكر "السلفية الجهادية" منذ ستينيات القرن الماضي.
يحمل الكثيرون أفكاره أكثر مما تحتمل، كان أديبا ومفكرا أكثر منه عالم دين؛ ولذلك لم يلتزم بمصطلحات العلماء في كتاباته.
ويقول فيه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:" ليس عالما، وإنما هو رجل أديب، كاتب، وهو لا يُحسن التعبير عن العقائد الشرعية الإسلامية، وبخاصة منها العقائد السلفية، ولذلك فلا ينبغي أن ندندن حول كلماته كثيرا، لأنه لم يكن عالما بالمعنى الذي نحن نريده؛ عالما بالكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح".
كانت تحيط به مفارقات لا تجتمع في شخص واحد إلا قليلا، ضعف البنية البدنية وقوة القلب، وبينما كانت تبدو عليه مظاهر المسالمة والموادعة، كان في الواقع حاد اللسان متين العبارة غزير الإنتاج.
طور مفهومين أساسيين في تفكيره وهما مفهوم "الحاكمية" ومفهوم "الجاهلية المعاصرة"، وحول هذين المفهومين تدور كل الأفكار الأخرى التي تصادفنا في مقالاته وكتبه، وعلى وجه الخصوص كتابه "معالم في الطريق"، وكذلك في تفسيره للقرآن الكريم "في ظلال القرآن".
ولد
سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي عام 1906 في إحدى قرى محافظة أسيوط لعائلة موسرة نسبيا، وكان والده رجلا متدينا مرموقا بين سكان القرية، وعضوا في لجنة "الحزب الوطني" الذي كان يرأسه مصطفى كامل.
التحق بمدرسة المعلمين الأولية بالقاهرة ونال شهادتها، والتحق بدار العلوم وتخرج منها عام 1933، وفي أثناء عمله بوزارة المعارف بوظائف تربوية وإدارية، ابتعثته الوزارة إلى أمريكا عام 1948.
انضم إلى "حزب الوفد" وبدا متأثرا بفكر الحزب وجماعته وخصوصا بكاتبه عباس محمود العقاد، وكان من أشد المدافعين عنه، إلا أن نظرته إلى الجيل السابق أخذت تتغير شيئا فشيئا، وبدأ بإنشاء منهج اختطه بنفسه.
لكنه ما لبث أن ترك الحزب على أثر خلاف في عام 1942، وعندما اغتيل حسن البنا مؤسس "جماعة الإخوان المسلمين"، كان قطب في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك سمع بالرجل من الإعلام الأمريكي، وبدأ في التحول الحقيقي خاصة بعدما رأى بعينيه كراهية الغرب للإسلاميين العرب وفرحهم الشديد بمقتل البنا.
قطب جاء إلى أمريكا وهو معجب بالحداثة الليبرالية، ولكن سياسات الرئيس الأمريكي هاري ترومان واغتصاب فلسطين، أثارت في نفسه الاشمئزاز، فانتهى إلى إرسال بطاقة بريد إلى أهله، كتب فيها ما معناه:" لو أصبح العالم على مثال أمريكا، فهذه لا ريب كارثة للإنسانية جمعاء".
وعند عودته أحسن "الإخوان" استقباله وأكد صلته بهم حتى أصبح عضوا في الجماعة في عام 1950، وخاض معهم نشاطهم السياسي الذي بدأ منذ عام 1954.
انضم قطب إلى صفوف "الإخوان" في وقت المحنة، ولذلك بعد انضمامه بفترة وجيزة ألقي بالسجن مرات عديدة، وظل قابعا بالسجن سنوات عديدة من عمره ذاق فيها صنوفا من التعذيب، إضافة إلى أمراضه في الكلى والمعدة والرئة، وقد أصيب من جراء التعذيب بنزيف رئوي شديد وذبحة صدرية.
وكانت بداية العلاقة بين قطب و"الإخوان" كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، ووجد سيد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع بين التيارات الثقافية الغربية، ورفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم؛ لأن فلسفتهم – في رأيه – ظلال للفلسفة الإغريقية.
حاول الرئيس المصري الراحل
جمال عبد الناصر أن يحتوي سيد قطب قبل انضمامه لـ"الإخوان" فعرض عليه استلام وزارة المعارف فرفض العرض، وكان المدني الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات مجلس الثورة التي قام بها الضباط الأحرار، ولكنه سرعان ما اختلف معهم على منهجية تسيير الأمور مما اضطره إلى الانفصال عنهم.
بدأت محنته باعتقاله بعد حادثة المنشية في عام 1954 حيث اتهم "الإخوان" بمحاولة اغتيال عبد الناصر، ضمن ألف شخص من "الإخوان" .
حكم عليه بالسجن 15 عاما وألف كتاب" معالم في الطريق " و"المستقبل لهذا الدين" كما أكمل تفسيره "في ظلال القرآن". تم الإفراج عنه بعفو صحي في عام 1964 . وأفرج عنه بوساطة من الرئيس العراقي عبد السلام عارف وفقا لروايات غير مؤكدة.
إلا أنه ما لبث أن اعتقل ثانية بعد حوالي ثمانية أشهر بتهمة التحريض على حرق معامل حلوان لإسقاط الحكومة، كما حدث في حريق القاهرة.
كما ألقت الشرطة المصرية في عام 1965 القبض على شقيقه محمد قطب، وقام سيد بإرسال رسالة احتجاج للمباحث العامة، أدت تلك الرسالة إلى إلقاء القبض عليه والكثير من أعضاء "الإخوان المسلمين" وحُكم عليه بالإعدام مع 6 آخرين.
وقضت المحكمة بتخفيف الحكم على آخرين، وكان من ضمن المتهمين محمد بديع المرشد الحالي للجماعة.
لم تنفع اتصالات وتدخلات العديد من الزعماء بمن فيهم الملك فيصل ملك السعودية، ورئيس العراق عبد السلام عارف والمفكرون والشخصيات والهيئات العربية والإسلامية في ثني الرئيس عبد الناصر عن إعدامه، وتم تنفيذ الحكم في 29 آب/أغسطس عام 1966.
ينتقد سيد قطب من قبل العديد من الكتاب والمؤلفين ورجال الدين الإسلامي على كتاباته وأفكاره، خصوصا تلك التي تكفر المجتمعات في فهمها القاصر، لكن يرد البعض أن قطب استخدم لفظ "الجاهلية" في وصف المجتمعات الإسلامية، ولم يستخدم لفظ الكفر ولم يصرح بتكفير فرد أو مجتمع.
ومن الانتقادات له طعنه في الصحابة في كتابه "كتب وشخصيات"، ويُدافع عنه البعض بأن تلك الكتابات صدرت من قُطب قبل تأثرة بالفكر الديني تقريبا عام 1944 وخلال مرحلة ضياع فكري، حيث قام بتعديل بل وتغيير أفكاره بعد نضوج وعيه الديني لاحقا، ويُلاحظ ذلك في كتبه التي صدرت بعد عام 1945.
ورغم كتبه العديدة، إلا أن المستشار عبد الله العقيل يقول في مجلة "المجتمع" عام 1972: "إن سيد قد بعث لإخوانه في مصر والعالم العربي أنه لا يعتمد سوى ستة مؤلفات له وهي: هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، الإسلام ومشكلات الحضارة، خصائص التصور الإسلامي، في ظلال القرآن، ومعالم في الطريق".
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأجزاء من كتبه ضاعت نظرا لأنه كان يكتب على كل ما يتوفر لديه من ورق، ومن ضمن ذلك أوراق الادعاء في المحكمة، بالإضافة إلى أن معظم كتبه أصبحت ممنوعة في مصر في عهد عبد الناصر.
يتكرر الحديث عن قطب كلما كتب أحدهم عن جذور الفكر "السلفي الجهادي" الذي أنتج "تنظيم القاعدة" وأخيرا "تنظيم الدولة الإسلامية"، وكذلك كلما تحدث أحدهم عن الأفكار الشائعة بين المنتمين إلى بعض الجماعات الإسلامية.
سيد قطب أثار من الجدل بعد إعدامه، أكثر مما أثاره في حياته، ويعتبر المفكر عبد الإله بلقزيز كتاب "معالم في الطريق" بمنزلة الإعلان الإسلامي المقابل للمنفستو الشيوعي، أو بيان الحزب الشيوعي الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك إنجلز عام 1848، ويقول غازي القصيبي على لسان بطل روايته "العصفورية"، إن كتاب معالم في الطريق أهم كتاب عربي ألف في السنوات الخمسمئة الأخيرة.
كان سيد قطب أول من قدم نجيب محفوظ إلى القارئ المصري، وأول من بدأ بإلقاء الضوء على موهبته الأدبية، وكان سيد شغوفا بالأدب، أحدث ضجيجا منذ ستينيات القرن الماضي ولا يزال.
لم يتجاوز عدد الكتب التي ألفها سيد قطب 13 كتابا، لكن الكتب التي تناولت حياته زادت عن الخمسين كتابا، ولا يزال الرجل يحظى بالجاذبية واهتمام الباحثين حتى الغربيين، رغم مرور 50 عاما على إعدامه.
ويعتبر قطب مصدر إلهام لتيارات إسلامية عديدة على اختلافاتها وتوجهاتها، ودرس منهجه السني والشيعي والمعتدل والمتطرف.
طريقة إعدامه رفعته إلى مقام رفيع لدى الجماعات الإسلامية، ونعتته "جماعة الأخوان المسلمين" في بيان مقتضب ووصفت ما كان يكتبه بأنه "ينير طريق الحائرين".