دعت وزيرة العدل الفرنسية السابقة، والنائبة في البرلمان الأوروبي رشيدة داتي،
فرنسا إلى عدم السماح للمتطرفين بتقويض مبادئ
العلمانية، وكتبت في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قائلة إن السياسة القائمة على الهوية بنت جذورا لها بسبب تردد الساسة في اتخاذ القرارات.
وتتساءل داتي في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلة: "عندما نتحدث عن النموذج الفرنسي عن اللائكية أو العلمانية فماذا نعني بالضبط؟"، وتجيب أن "فرنسا بلد يعتز بقيم التسامح والحرية، وتكرست هذه القيم في إعلان حقوق الإنسان والحقوق المدنية عام 1789، وتعد اللائكية تطبيقا لهما، وهي تحافظ على حرية ممارسة الدين، وخلافا لما يعتقده عدد من الساسة الفرنسيين، فهي لم تصمم من أجل استبعاد الدين أو مواجهته".
وتشير الصحيفة إلى أن مقرر اللجنة التي صاغت قانون عام 1905، الذي فصل بين الدين والدولة، أرستيد بريند أكد بوضوح أن القانون يهدف إلى ضمان أكبر قدر من حرية العبادة، من خلال تحرير الدين من رقابة الدولة، وفي الوقت ذاته حاول تحرير الدولة من تدخل الكنيسة في شؤونها.
وتستدرك الكاتبة بأنه "رغم هذا الفهم، فقد تم استخدام اللائكية اليوم من أولئك المتطرفين، ممن يريدون إقناع الفرنسيين بأن الإسلام لا يتوافق مع الجمهورية، وسمح عدد من السياسيين للآخرين بأن يتلاعبوا بهم عبر هذه الاستفزازات، وبهذه الطريقة تبنوا تعريفا للائكية، يستبعد الدين من الحياة العامة، وعملوا كذلك على إساءة تقديم روح القانون، وروجوا للهوية".
وتبين داتي أن "النقاشات التي تتحدث عن المخاطر التي تواجه التماسك الاجتماعي جاءت في ظل حالة من التوتر، أعقبت الهجمات الإرهابية على الأراضي الفرنسية منذ كانون الثاني/ يناير 2015، ومع ذلك تم تشويهها من خلال المزاعم حول ممارسات قيل إنها نابعة من الإسلام، ما أعطى عونا لكل متطرف من كل لون ونوع".
وتلفت الكاتبة إلى أن "البعض يستخدم الإسلام وسيلة للدعوة إلى تعزيز الولاء للمجتمع أو الهوية، ويجب أن يكون الرد على هذه المزاعم سياسيا؛ لأن الدين ليس على المحك، فالإسلام ليس سبب الراديكالية، بل إن الراديكاليين هم الذين يستخدمون الإسلام، وعلينا في هذه الحالة عدم الخلط بين المسلمين العاديين والعدميين الخارجين عن القانون".
وتنوه داتي إلى أن "هناك بعض المحظورات القانونية، التي تعد معقولة وعادلة، مثل الحظر على ارتداء النقاب، الذي يغطي الوجه، في تحد للقوانين الأساسية للتحضر، أما
البوركيني، وهو زي السباحة الطويل، الذي يغطي الرأس، والذي كان محل نقاش قانوني في فرنسا هذا الصيف، فإن الجدير بالذكر أنه لا علاقة له بأي تعاليم قرآنية، فقد شعر الفرنسيون بالضيق لأنهم عدوه جزءا من محاولة فرض ممارسات قديمة ورجعية في الأماكن العامة، إلا أن القانون لا يمكنه حل مشكلة كل شيء، وعلينا التوقف عن حظر الأشياء، والقيود القانونية يجب ألا تحل محل الإقناع، فهذه هي وظيفة السياسيين، ويجب علينا ألا نعتمد على السلطة القضائية أو الشرطة؛ لأننا جبناء، أو لأنها تريحنا من عناء العمل".
وتفيد الكاتبة بأن "الوعي الجمعي، أو الهوية السياسية في فرنسا بنت جذورها؛ لأن الساسة من اليسار فشلوا في اتخاذ قرارات صائبة عندما كانوا في السلطة، ففي عام 1989، مثلا، وعندما كان ليونيل جوسبان وزير تعليم في الحكومة الاشتراكية، رفض التدخل في مسألة ارتداء الحجاب في المدارس، ففكرة قيام الساسة بالتعبير عن مواقف ضد ممارسات كهذه من الصعب فهمها في بلاد مثل بريطانيا، حيث يتم التعامل مع حرية التعبير وحرية الاستفزاز بطريقة جدية، إلا أن حريات كهذه يتم إساءة استخدامها، وتصبح خطيرة على الشبان الذين يتحولون إلى التشدد".
وترى داتي أنه لا ينبغي التقليل من أهمية الحاجة إلى النضال السياسي ضد بعض التقاليد التي تهدد النسيج الاجتماعي، إلا أن الساسة لا يستطيعون عمل هذا بأنفسهم، ويجب على مسلمي فرنسا أداء دور في هذا المجال.
وتذهب الكاتبة إلى أن "هناك غيابا واضحا للأصوات القوية والمحترمة التي تمثل المسلمين في فرنسا، التي يمكنها أن تقول للمتطرفين (هذا ليس من الإسلام)، وهذا يدعو المسلمين إلى العمل من أجل تمثيل أفضل لهم، ولحماية الشباب، وطمأنة المجتمع، ويجب عدم تعيين أشخاص لم ينشؤوا في فرنسا، ولم يعانوا المشكلات التي عانى منها أبناء المهاجرين، لقيادة المؤسسات، التي من المفترض أن تمثل الإسلام في فرنسا".
وتخلص داتي إلى القول: "علينا أن نضع حدا للتدخل الخارجي، خاصة من دول الخليج، فيما يتعلق بالطريقة التي تتم فيها ممارسة الإسلام في فرنسا، وعلينا منع التمويل الخارجي للمساجد، لم يعد بإمكاننا قبول أيدلوجيات وممارسات مستوردة من بلدان أخرى، عندما تكون هذه الممارسات تتعارض مع قوانين فرنسا وقيمها، وتهدد بتدمير النسيج الاجتماعي".