حقق شباب مصر ثلاث جوائز في أولمبياد البرازيل، وقد لاحظت أن خواطر الملايين كانت مشدودة للمنافسات التي كان اللاعبون المصريون أو الفرق المصرية طرفا فيها، وكان الإحباط هو شعار النتائج في أغلبها، فكلهم تقريبا خرجوا من أول محطة في السباق في مختلف الألعاب، ولذلك كانت الفرحة طاغية بفوز الثلاثة: هبة ملاك وسارة سمير ومحمد إيهاب، بميداليات برونزية، أي المركز الثالث في اللعبة، بطبيعة الحال إنجاز متواضع للغاية إذا قيس بمستوى وحجم المشاركة المصرية في البطولة، حيث تعتبر البعثة المصرية واحدة من أضخم البعثات على مستوى العالم، وهناك بعثات يمثل عددها أقل من واحد من عشرة من حجم البعثة المصرية، وحققت لبلادها ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية، تضعها قبل مصر بعشرات المراكز، وهي ملاحظة مستدامة من سنوات طويلة، ودون أي تفسير أو تعديل أو تصحيح، تشعر أن هذه المناسبات الرياضية تحولت إلى فرصة لمجاملات تتداخل فيها السياسة مع المصالح مع العائلات مع أصحاب النفوذ من كل جانب، وآخر معيار للاختيار يمكن أن يكون معيار التفوق الرياضي نفسه.
هل تتصور أن مدرب البطلة هبة ملاك التي شرفت بلادها وحصلت على الميدالية البرونزية في التايكوندو في نزال رهيب، أطاحت من طريقها أبطال عدة دول من بينها أم اللعبة "اليابان"، هل تتصور أن مدربها رفضت السلطات المصرية سفره ضمن البعثة للإشراف على اللاعبة ومتابعتها، فاضطر الرجل إلى أن يسافر على نفقته الخاصة، وهو أجنبي بالمناسبة، بينما راحت جحافل من اللاعبين والمدربين والموظفين والمحاسبين والإداريين والمشهلاتية، فضلا عن اللاعبين الذين لا يصلحون لأكثر من مركز شباب في قرية من قرى الدلتا، وتحملت الحكومة المصرية نفقات سفر هؤلاء جميعا وإعاشتهم بالكامل، فعادوا بالعار، بينما عادت هبة ومدربها الذي رفضوا سفره بالميدالية.
لقد تحدثت إحدى اللاعبات التي خسرت بشرف وقد كانت قريبة من ميدالية، تعتذر من الجمهور وتقول إنكم لا تعرفون كيف نصل وكيف نبذل من الجهد في ظل ظروف قاسية، دون رعاية ودون إمكانيات ودون دعم، وقالت حرفيا: نحن ننحت في الصخر، وطلبت مسامحتها على فشلها في الحصول على ميدالية، والحقيقة أنها غير مطالبة بالاعتذار، وإنما الدولة بكاملها والسلطة على مدار سنوات طويلة مطالبة بالاعتذار لإهدار المال العام في "الهلس" والمجاملات والمحاسيب، وتحول سفرات البطولات إلى سبوبة ونزهة مجانية، وجولات سياحية للمحظوظين وأبناء العم وأبناء الخال على حساب صاحب "المحل"، الذي هو الشعب المصري الفقير، دون أي عائد لائق، ولو أن مثل هذه البعثات اختصرت إلى ربع طاقتها، وأنفقت الأموال المتوفرة على نخبة مختارة بعناية يتم إعدادهم إعدادا علميا كما تفعل الدول "المحترمة" لأمكن أن يكون لمصر مكانها اللائق بين الكبار في أي أولمبياد، لكن من أين تأتي تلك "الشفافية" في ظل رقابة تابعة وهزيلة ومسيسة، طبل وهجص للقيادة ستحجز مكانك حتى لو كنت عاجزا أو تافها أو "كمالة عدد" .
شكرا للأبطال الثلاثة الذين شرفونا، وأسعدونا، ولا داعي أن يتنطع مسؤول صغير أو كبير ليحدثنا عن دورهم في رعاية الأبطال أو دعمهم، لا داعي لهذا الهراء، ولا داعي لإضاعة بهجتنا بإغراق الحدث في بحر الأكاذيب.