كتاب عربي 21

خيارات الحريري بعد السعودية

نزيه الأحدب
1300x600
1300x600
مع شروع "مؤسسة النقد العربي السعودي" بعملية تفكيك شركة "سعودي أوجيه" والتحضير لدفع المستحقات المالية الضخمة المتوجبة عليها للموظفين والمتعهدين تمهيداً ربما لإعلان إفلاسها، تكون الرياض قد بدأت أولى الخطوات الحاسمة لإنهاء اعتماد عائلة الحريري كمجموعة اقتصادية وسياسية تدور في فلك العائلة الملكية السعودية وتنعم بعطاءاتها وتمثل سياستها الخارجية في لبنان وحيث تدعو حاجة الوَفادة الدبلوماسية التي برع في أداء دورها الرئيس الراحل رفيق الحريري.

لم يحافظ "الشيخ سعد" على إرث أبيه الذي عرف كيف يكون فرداً من العائلة السعودية، متى يقترب ومتى يحايد، فبنى لأسرته وللبنان مجدا ضاع مع وريثه السياسي الذي لا يقل عنه التزاماً بالسعودية ولبنان، لكنه لا يملك الحنكة الكافية لاتخاذ الموقف المناسب، وغالباً ما يتربّص به لسانه بزلات لا تتوقع القُصور الملكية والأميرية صدورها عن المقرّبين منها ولا تغفرها إذا ظهرت في الإعلام.

سعد الحريري لا يمثل الآن شخصه فحسب، بل عائلته وتياره السياسي وطائفته في لبنان، فمن هم شركاؤه الفعليون في اتخاذ القرارات الكبرى؟ 

على المستوى العائلي لم يُبدِ أي من إخوته طيلة الفترة السابقة اهتماما بالعمل السياسي ولا حتى من باب المشاركة الجانبية وعاش كلّ منهم حياته الخاصة خارج لبنان، فيما ملأت عمته البرلمانية بهية الحريري مع نجلَيها نادر وأحمد مقاعد الأُسرة القائدة لتيار المستقبل، مع تقديمها ما أمكن من التضحيات المعنوية والمالية لصالح استمرار الهيكل البنيوي الأساسي للتيار الذي أثّرت أزمته المالية الخانقة على حضوره الشعبي بشكل كبير، وبالتالي فإن السيدة بهية وأسرتها ستكون شريكةً حتماً في قرار مرحلة ما بعد الدعم السعودي، ولا يُعتقد بأنها – أي النائب بهية – ستوافق على أي خطوة تمثل انقلاباً على السعودية بغض النظر عن أي فذلكة أو تبرير.

أما قيادات التيار من خارج الأسرة الحريرية فيتصدّرهم الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة الذي يحظى بثقة جيدة في نيويورك وواشنطن لا يحظى بمثلها في الرياض أو في صفوف قواعد التيار ولا حتى ضمن ورثة رفيق الحريري، مع أن السنيورة قدّم أقوى أداء سياسي ممكن أثناء رئاسته حكومة اشتداد الأزمة بين جبهتَي 8 و14 آذار، إلا أنه ليس بديلاً لسعد الحريري عند أحد وليس بديلاً لأحد عند سعد الحريري، ويبدو أن دوره آخذ في الانحسار. ومن قيادات الصف الأول يبرز النائب الشيعي المهاجر عقاب صقر والنائب السابق الماروني غطاس خوري والوزير السني نهاد المشنوق، ويلعب هؤلاء دوراً مؤثراً في قرارات الحريري، فيما يحتفظ نائب طرابلس سمير الجسر بدوره الإصلاحي والتسوَوي في التيار.

على صعيد الطائفة السنية التي يمثلها الرئيس سعد الحريري في اللعبة اللبنانية، فهو وإن اعتدل بمواقفه مؤخرا لكنه واجه على مدى سنوات قيادات سياسية وازنة بمنطق تطويق المنافسين ومحاولة إلغائهم، أما دار الفتوى فتعامل معها مثل معظم رؤساء حكومات لبنان كمؤسسة ملحَقة برئاسة الوزراء.

بعد استعراض أبرز شركائه الداخليين في القرار، ما هي الخيارات التي على الحريري أن يدرسها إزاء واقعه المالي والإقليمي الجديد؟

أولا: الانسحاب من الحياة السياسية، وهذا غير وارد ولن يشجعه عليه أحد، بل سيدفع به خصومه قبل حلفائه لإنتاجه واقعاً سياسياً جديدا.

ثانيا: القبول بتحوّل تيار المستقبل إلى قوة مناطقية في صيدا ومنافِسه في بيروت وجبل لبنان وشبه غائبة في الشمال، وهذا يشبه الاعتزال لأن هذا الدور يستطيع بيت بهية الحريري القيام به بمعزل عنه.

ثالثا: مواصلة انتظار تبدل المزاج السعودي حياله، لكن هذا الانتظار أرهقه وأضعف تياره الذي تلقى عدة صفعات في الانتخابات البلدية الأخيرة.

رابعا: شبك علاقة إقليمية جديدة تعوضه بمظلة حماية وبحقيبة مالية تمكنه من استنهاض تياره، ولا تبدو في الإقليم دولة تفتح بابَها لهذا العرض غير الإمارات العربية المتحدة التي يهمّها احتواء المحسوبين على المرحلة السعودية السابقة التي تُعرَف بمرحلة "خالد التويجري" والاستفادة منهم في سعي الإمارات المضطرد للعب دور خارجي أكبر، سيضيف الحريري إليه ورقة لبنان وعلاقاته ومساعده عقاب صقر (الصديق الجديد للمستشار الأمني للقيادة الإماراتية محمد دحلان) مع قيادات سورية معارضة للنظام.

خامسا: صياغة موقع سياسي جديد لتيار المستقبل أشبه بموقف سلطنة عمان في الصراع المذهبي القائم في المنطقة، وهذا الحياد سيحوّله عملياً إلى حليف لحزب الله الذي سيستنسخ تجربة النظام الأمني السوري اللبناني بنظام إيراني لبناني يضمن للحريري حصة الطائفة السنية في الدولة ومؤسساتها.

تلك هي الخيارات المُرّة لسعد الحريري، جميعها غير شعبية ولن تستعيد الحجم السابق لتيار المستقبل، وأمام كل منها خياراتٌ لآخَرين حاضرين في الداخل موصولين بالخارج، ينتظرون دعوةً ملكية لحجّ أو لعُمرة.
التعليقات (0)