كتاب عربي 21

البنك المركزي المفتري والمفترى عليه

مصطفى محمود شاهين
1300x600
1300x600
خرج للنور تقرير البنك المركزي الذي أعده خصيصا لمجلس النواب المصري عن أزمة الاقتصاد المصري، والتي كما يبدو أن البنك المركزي أصبح غارقا "في شبر ميه"، كما يقول المصريون بالعامية، ومحافظ البنك المركزي أصبح في مرمى النيران، سواء كانت الصديقة أو العدوة؛ لأنه أصبح في وجه المدفع، ولا مانع أبدا من التضحية به في أي لحظة كي يحمل أوزار النظام جميعا.

أقول ذلك؛ وجميع المتخصصين يعلمون أن البنك المركزي هو صانع أو مسؤول السياسة النقدية فقط، وليس مسؤولا عن سياسات الخراب المتبعة الآن في القطاع الزراعي أو القطاع الصناعي، وليس المسؤول عن السياسات التجارية التي جعلت مصر هي السوق الرخيصة للاستيراد، والتي فتحت البلد على مصراعيه أمام سياسات السوق التي تسوق للناس على أنها السياسات الحرة.

ومن دون أي شك، فإن أزمة الدولار يتحمل وزرها أطراف كثيرة لا تحصى من أول بواب العمارة الذي يتاجر في الدولار إلى وزير التجارة الذي جعل التهريب الجمركي على مصراعيه، ويكأن العالم في مصر وقف عند القرن التاسع عشر دون استخدام أي معدات حديثة لكشف تهريب الدولار أو العملات الأخرى.

إن التقرير الذي أفرده البنك المركزي يضع البيض كله في سلة الحكومة، فقد أوضح بما لا يدع مجالا للشك؛ تدهور عوائد السياحة والبترول وانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي في الآونة الأخيرة.

فقد حاول التقرير أن يرفع عن كاهل البنك المركزى المصائب التي تأتيه من كل حدب وصوب، فقد أشار التقرير إلى تراجع ترتيب مصر في تقرير البنك الدولي في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بشأن ممارسة أنشطة العمال، لتصبح في المرتبة 131 من 188 دولة. وقد فسر ذلك بالإرهاب، ولم يقل لنا أن الأساس في الأزمة يعود إلى البيئة القانونية وعدم وجود بيئة مناسبة تشجع على الإنتاج أو تكامل للصناعات، بحيث يخلق قاعدة صناعية مناسبة تتكامل بروابط أمامية وخلفية مع الصناعات الأخرى. ولم يشر التقرير من قريب أو من بعيد إلى المعوقات التي تقف أمام الشباب للإنتاج، بل إن الدولة مصرة على العداء والخصام مع الشباب، فالشباب بالنسبة لها هو العدو الأول، سواء سياسيا أو اقتصاديا.

وحول أزمة الدولار المتفجرة حاليا، أشار البنك المركزي إلى أنه ضخ للبنوك ما يقارب 9.5 مليارات دولار، سواء بعطاءات استثنائية أو عادية، من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 حتى حزيران/ يونيو 2016، أي أن البنك المركزي يضخ مليار دولار شهريا، ولم يستطع أن يحافظ على استقرار الجنيه، بل إن البنك المركزي ضخ 45 مليارا و459 مليون دولار خلال الفترة نفسها، من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وحتى حزيران/ يونيو 2016، ولم يستطع أن يحد من الواردات.

كما بدا من التقرير، وكنا قد أشرنا من قبل إلى أن البنك المركزي أصبح مقيد اليدين. فالبنك المركزي هو الواجهة، لكن ليس هو من بيده زيادة الإنتاج أو تحجيم الواردات أو السيطرة على المنافذ الجمركية أو تشجيع صغار المنتجين أو مكافحة الفساد.

أما العجيب، فالبنك المركزي أفرد في خطته القصيرة لاستعادة السيولة وتداول الدولار داخل السوق والاستمرار في تغطية الاعتمادات بتوفير مستلزمات الصناعة.

قال إن خطته تقف بالمقام الأول على الاقتراض من الخارج عن طريق طرح سندات دوليه بـ5 مليارات دولار، وطرح شركات البترول والبتروكيماويات بالبورصة، وتحجيم الاستيراد.

"وكأنك يا أبو زيد ما غزيت".. كل الخطة المقترحة وقوامها الاعتماد على الخارج للاقتراض، ويكأننا قد انتهينا من قرض صندوق النقد الدولى الذي لم ننه إجراءاته. يا سادة إنه الغرق في مستنقع الديون، ولن تفلح أي من هذه السياسات في انتشال الاقتصاد المصري من محنته، طالما بقي المصريون يحاربون أنفسهم على كافة الجبهات. فحتى لو استخدم البنك المركزي كل فوائضه، فلن يحمي الجنيه على الإطلاق.
التعليقات (0)