نشر مركز أبحاث الأمن الأمريكي الجديد دراسة بعنوان "نظام أمني لحل الدولتين"، وقد ترجمها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ضمن الرقم 80 من سلسلة ترجمات الزيتونة وصدرت نهاية شهر تموز 2016.
تأتي أهمية هذه الدراسة من أنها صادرة من مركز رئيسته التنفيذية، ميتشيل فلورنوي، مرشحة هيلاري كلينتون الأبرز لمنصب وزير الدفاع، وهي التي شغلت موقع نائب وزير الدفاع لشؤون السياسات في ولاية أوباما الأولى، كما أن معد هذه الدراسة كان رئيس الطاقم التفاوضي لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال إعداده مبادرته الأخيرة لاتفاق الإطار التي فشلت وأسدل الستار عليها نهاية عام 2013، ويبدو أنه يحاول هنا تطوير تلك التجربة، وقد أوضح أنه استفاد في إعدادها من مشاركات عربية أردنية ومصرية إضافة إلى المشاركة الفلسطينية.
ويمكن تلخيص مرتكزات النظام الأمني لحل الدولتين الذي تقترحه الدراسة بالنقاط الآتية:
1- أن المدخل الأساس لتحريك أي عملية سياسية هو "إقناع" الإسرائيليين بالانخراط بها طوعا، ولذا لا بد لأي عملية سياسية أن تنطلق من نقاط الاهتمام الإسرائيلية لتتعامل معها، ويشكل الأمن العقدة الأساسية التي تشغل الصهاينة، ولب مقترحات هذه الدراسة هو تحقيق الأمن الإسرائيلي عبر إجراءات انتقالية طويلة الأمد كمدخل أساس للوصول إلى اتفاق نهائي لحل الدولتين.
2- في المقابل تختصر الدراسة طموحات الفلسطينيين بفكرتي السيادة والكرامة، وتعتبر أن المفتاح الأساس لتحقيقهما هو تقليل ظهور الإسرائيليين العسكري في وجه المدنيين الفلسطينيين، وهذا ما تأخذه ترتيبات هذا النظام الأمني بعين الاعتبار، فهي تركز على رسم صورة السيادة والكرامة أمام الجمهور الفلسطيني بشكل أساس.
3- تعتمد مقترحات الدراسة منهجية تعدد المستويات مكانيا وزمانيا، فهي تجزئ دراستها للإجراءات التفصيلية لتتناول: الأمن الداخلي الفلسطيني، أمن الحدود والمعابر، أمن المجال الجوي والبحري والكهرومغناطيسي، الأمن الإقليمي. أما زمنيا فهي تتحدث عن انتقال تدريجي للصلاحيات متزامن مع "بناء الثقة" ومستوى "الاحتراف" الذي تظهره الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والحلول التكنولوجية التي يمكن الوصول إليها، كأن ينحصر الوجود الإسرائيلي بنقاط مراقبة في أعالي جبال الضفة الغربية، ثم يجري الاستغناء عن الوجود البشري الإسرائيلي فيها مثلا، أو أن تنحصر المياه الإقليمية الفلسطينية في عمق 6 كم بينما تراقب بحرية الاحتلال الـ6 كم المتبقية، ثم تتحول الـ6 كم المتبقية إلى مساحة لرقابة الدوريات البحرية المشتركة.
4- تركز الدراسة على وضع التكنولوجيا المتطورة بتصرف النظام الأمني لحل المشكلات الشائكة، بالذات في تحقيق عنصر الرقابة للصهاينة عبر أدوات رقابية على المعابر والجسور وعلى الميناء والمطار، إضافة لمواصلة الاستثمار في أنظمة مكافحة الصواريخ قصيرة المدى وأنظمة مكافحة الأنفاق مع التزام أمريكي بتمويلها ومواصلة تطويرها.
5- تعول الدراسة على إشراك الدول المجاورة في النظام الأمني لضمان عدم قدرة الفلسطينيين على الإخلال به، والحصول على التزام عربي أوسع به، وذلك من خلال تشكيل آلية ثلاثية على كل جبهة: آلية ثلاثية من الفلسطينيين والإسرائيليين والأردنيين لضمان أمن حدود الضفة الغربية، وآلية ثلاثية من الفلسطينيين والإسرائيليين والمصريين لضمان أمن حدود قطاع غزة. هذا يعني أن التسوية النهائية وضمانات الالتزامات لن تكون مع القيادة الفلسطينية وحدها، بل سيعاد استدعاء دور دول الجوار العربية في الوصاية عليها لضمان التزامها. كما تعمل على إعادة تعريف التحديات المحدقة بالدول العربية والدولة الصهيونية باعتبارها تحديات مشتركة تنحصر في "التدخل الإيراني" و "الإرهاب"، ويمكن هنا التعويل على شراكة إسرائيلية أكثر فعالية للإجابة على تحديات الإقليم باعتبارها تحديات مشتركة، وهي تتطلع بشكل أساس هنا إلى السعودية ودول الخليج.
6- تعد الدراسة بدور أمريكي فعال في بناء هذا النظام الأمني وضمان فعاليته: من خلال تعهد أمريكي بتدريب وهيكلة أجهزة الأمن الفلسطينية، وتواجد مباشر للقوات الأمريكية في دوريات رقابة على الحدود وفي نقاط المراقبة المتقدمة في الضفة الغربية، مع إشراك عناصر الأمن الإسرائيلية ضمن القوات الأمريكية بلباس مدني، ومن خلال التزام الولايات المتحدة بتطوير الأنظمة الدفاعية المتقدمة تكنولوجيا، وأخيرا من خلال اقتراح اتفاق متزامن مع تطبيق هذا النظام تلتزم فيه الولايات المتحدة بدعم أي تصرف سياسي أو عسكري إسرائيلي منفرد خارج إطار هذا النظام.
7- يضع النظام الأمني الذي تقترحه الدراسة في اعتباره منع الفلسطينيين من استغلال الاتفاق أو تغييره بشكل منفرد، انطلاقا كما يبدو من تجربة انتفاضة الأقصى 2000، فيعطي للإسرائيليين في النهاية حق التصرف الأمني المنفرد في الحالات التي ترتأي فيها ذلك، فيعطيها حق إغلاق المجالين الجوي والبحري في حالات التهديد، ويلزم طياري الطيران المدني الفلسطيني المزمع إنشاؤه بالتوقيع على إقرار بأنهم يتحملون المسؤولية عن إسقاط الجيش الإسرائيلي لطائراتهم في حال خالفت في طيرانها المسار الدقيق المرسوم لها في الجو، كما أن النظام الأمني ينص على أن قوات الدولة الفلسطينية بمجموعها تأخذ شكل الدرك وتعتبر قوات مدنية مسلحة لغايات الأمن ومكافحة الإرهاب، يمنع عليها التسلح بالسلاح المتوسط والثقيل أو حتى أن تأخذ قواتها الشكل العسكري.
8- تقترح الدراسة اتفاقا انتقاليا مدته 15 سنة تطبق خلاله هذه الإجراءات بشكل تدريجي.
ولو أـردنا اختصار المنطق الأساس لهذا المقترح فهو يعتبر تحقيق المتطلبات الإسرائيلية المدخل الأوحد للتسوية السياسية، وعلى الفلسطينيين أن يجتهدوا في تحقيقها لدفع عملية التسوية للأمام، ومن هنا فإن تحقيق الأمن الإسرائيلي التام يمسي مدخل الفلسطينيين في الحصول على "دولتهم"، ويمسي من يهدد ذلك "عدوا مشتركا" بهذا المنطق، وتصبح مهمة الولايات المتحدة الأساسية كوسيط هي "مساعدة" الفلسطينيين لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلية بـ"كفاءة" ليحققوا دولتهم، ويأتي إشراك دول الإقليم لتحقيق هذا الدور.
ما تقترحه هذه الدراسة ليس بعيدا عن المنطق الذي يستمر به التنسيق الأمني في ظل الانتفاضة اليوم، وهي بذلك قريبة من الواقع وتبني على عناصر قائمة، وفي حال فوز المرشحة هيلاري كلينتون بالرئاسة الأمريكية فقد لا يطول الوقت قبل أن نرى مقترحاتها تنزل إلى الواقع مع بعض التكييف والتطوير، وهو ما يفتح باب انتقال الواقع الفلسطيني إلى حالة أسوأ من التردي والضعف والانكشاف التام أمام العدو ما لم تتخذ تحركات جدية ومؤثرة في الاتجاه المعاكس.
يمكن مطالعة النص الأصلي للدراسة باللغة الإنجليزية هنا:
https://www.cnas.org/2statesolution#.V5zokRKJeSq
كما يمكن مطالعة ترجمة مركز الزيتونة لها هنا:
https://www.alzaytouna.net/2016/07/25/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%aa%d9%88%d9%86%d8%a9-80-%d8%aa%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a3%d9%85/