دعت قيادات ثورية بارزة بالجزائر إلى إبعاد عمار سعداني، الأمين العام لحزب
جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم)، من رئاسة الحزب، وتحرير الحزب مما أسموه "سطوة عصابات المال".
وأحدث بيان قيادات ثورية، الاثنين، بارزة خلال ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي (1954 ـ 1962)، زلزالا سياسيا مدويا بالبلاد، كما شكل البيان دعما واضحا لمطالبات سابقة بضرورة رحيل عمار سعداني المعروف بقربه من صناع القرار بالجزائر.
وحمل النداء عنوان "نداء المجاهدين من أجل انعتاق جبهة التحرير الوطني المسلوبة"، الذي وقعته القيادات الثورية التي يتقدمها ياسف سعدي وهو مهندس معركة الجزائر العاصمة الشهيرة العام 1960، بالإضافة إلى القائد
الثورة الأخضر بورقعة والمجاهدة المعارضة للنظام زهرة ظريف بطاط.
وجاء في بيان المجموعة: "نستنكر استحواذ عمار سعداني وثلة من رجال الأعمال المشكوك فيهم لاسم جبهة التحرير الوطني رمز ثورة نوفمبر، لأغراض شخصية أنانية"، وتابع: "فالحزب وقع في يد شرذمة من الانتهازيين والمغامرين جعلوا منه تجارة مربحة، ضاربين عرض الحائط بالنص المؤسس لهذا الكيان السياسي الذي تمعن عملية طويلة وشاقة اجتهد في سبيلها رجال ونساء جعلوا من الكفاح من أجل التحرير، وقد ضحوا بحياتهم من أجل تستقل الجزائر، بعد أن دفعوا ضريبة الدم لبلوغ ذلك الهدف النبيل".
ولأول مرة، يثور فصيل ثوري ضد قيادة الحزب الحاكم بالجزائر، الذي يعيش منذ أكثر من ثماني سنوات صراعات داخلية، تمخض عنها ميلاد "الحركة التصحيحية" التي يقودها الوزير الأسبق عبد الرحمن بلعياط.
ومنذ سنوات عديدة، تتعالى أصوات من داخل حزب جبهة التحرير الوطني، ومن خارجها، تدعو لإيداع الحزب، المتحف، واعتباره إرثا تاريخيا انتهت مهمته بحصول بافتكاك البلاد استقلالها من فرنسا.
لكن هذه الدعوة لقيت مقاومة شرسة من طرف مناضلي الحزب الذي يرأسه بصفة شرفية، الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، حيث قال أمين عام الحزب عمار سعداني، المسنود من السلطة، في تصريح سابق ردا على هذه الدعوات بأن "المعارضة تعمل على القيام بانقلاب ولن تتمكن من ذلك".
وكثيرا ما ارتبطت انتقادات المعارضة السياسية لأداء السلطة والحكومات المتعاقبة بالبلاد، وخاصة الأحزاب المنضوية تحت لواء تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، بأداء الحزب الحاكم، رغم أن الرئيس بوتفليقة درج على تعيين رؤساء حكومات من خارجه.
ويؤاخذ فصيل معارض من داخل الحزب، قيادته باستعمال الحزب مطية سياسية لقضاء مآرب شخصية، وأفادت القيادات الثورية المعارضة لنهج عمار سعداني ببيانها، أن القيادة "استعملت الخديعة، وتورطت قنوات في الحزب لإفراغه من مكوناته الحيوية وزرع العفن وتحويله إلى أداة لتحقيق مآرب شخصية".
وقال محمد سيدمو، الإعلامي الجزائري المتابع للشأن السياسي، في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الاثنين: "هذا النداء يعبر عن حالة غضب تسكن كثيرا من مجاهدي الثورة التحريرية، لما آل إليه حزب جبهة التحرير الوطني منذ عدة سنوات من صراعات جعلته يبدو في مظهر سياسي هزيل قياسا إلى تاريخه ورمزيته كحزب فجر الثورة الجزائرية ضد من الاستعمار الفرنسي".
وتابع سيدمو: "وعلى الرغم من أن النداء طالب فقط بتطهير الحزب من الفئة التي تسيطر عليه حاليا، إلا أن النظر بعمق إلى مصطلحاته، يوحي بأن هؤلاء المجاهدين أصبحوا يميلون إلى فكرة إدخال جبهة التحرير الوطني إلى المتحف، واسترجاعه كحزب يدخل في إطار الملكية الجماعية للجزائريين بحيث لا يمكن احتكاره من أي فئة مهما كانت".
ودعت القيادات الثورية، مجاهدي الثورة للإلتحاق بالمبادرة، وقالوا في البيان: "حان الوقت لكي تتحرر جبهة التحرير الوطني من قبضة هؤلاء المغتصبين، وتبعث بذلك المبادئ الأولية لثورة نوفمبر المجيدة".
وتابع البيان: "إن جبهة التحرير ملك لكل الجزائريين وما دامت موجودة في شكل حزب سياسي فيجب ألا يحيد مذهبها وعملها عن الأسس التي أقيمت من أجلها، ولذلك فإنه لا بد لأولئك الذين يسيرونها أن يكونوا قدوة في النزاهة والاستقامة".
ويطابق موقف المجموعة الثورية مواقف قطاع واسع من الجزائريين الذين يعتبرون أن مهمة جبهة التحرير الوطني انتهت بانتهاء الثورة، وتواجه "الجبهة" سيلا من الغضب من طرف الجزائريين، باعتبارها الحزب الذي يحكم البلاد منذ أكثر من 50 سنة، دون أن تحقق أهداف الثورة.