كشفت صحيفة "الغارديان" في تقرير استقصائي، عن أن دول شرق
أوروبا وافقت على صفقات
أسلحة سرية بأكثر من مليار يورو على مدى السنوات الأربع الماضية، لدول في
الشرق الأوسط، معروفة بأنها تشحن أسلحة إلى
سوريا.
ويشير التقرير، الذي شارك في إعداده ثلاثة صحافيين، هم أيفان إنغيلوفسكي في بلغراد، وميراندا باتروسيك في سراييفو، ولورنس مرزوق في لندن، إلى أن آلاف بنادق الكلاشنكوف الهجومية، وقنابل الهاون، وراجمات الصواريخ، والأسلحة المضادة للدروع، والمدافع الرشاشة، تم شحنها من دول البلقان إلى شبه جزيرة العرب ودول مجاورة لسوريا.
ويلفت الكتّاب إلى أن هناك شكوكا بأن معظم تلك الأسلحة يرسل إلى سوريا، حيث تغذي نار الحرب الأهلية السورية المستمرة على مدى السنوات الخمس الماضية، بحسب فريق من المراسلين الصحافيين من شبكة الصحافة الاستقصائية في البلقان "بيرن"، ومشروع نشر التقارير حول الجريمة المنظمة والفساد "أو سي سي آر بي".
وتذكر الصحيفة أن البحث في معطيات تصدير الأسلحة، وتقارير الأمم المتحدة، وسجلات حركة الطيران، وعقود الأسلحة التي تمت دراستها خلال تحقيق دام عاما كاملا، أظهر كيف أرسلت الذخائر إلى الشرق الأوسط من البوسنة وبلغاريا وكرواتيا وجمهورية التشيك ومونتينيغرو وسلوفاكيا وصربيا ورومانيا.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن الدول الثماني وافقت على صفقات تصدير أسلحة وذخائر، منذ تصاعد الصراع السوري عام 2012، بما قيمته 1.2 مليار يورو، للسعودية والأردن والإمارات وتركيا، وهي أسواق السلاح الرئيسة لسوريا واليمن.
وينوه الكتّاب إلى أن المنطقة لم تشتر في الماضي أسلحة من وسط أوروبا وشرقها، مستدركين بأن هناك ازديادا في الصفقات في السنوات الأخيرة، حيث تمت المصادقة على أكبرها عام 2015.
وتبين الصحيفة أنه تم منح رخص التصدير بالرغم من تحذيرات الخبراء بأن الأسلحة قد تنتهي في أيدي المعارضة السورية، وهو ما يتعارض مع القوانين المحلية، وقوانين الاتحاد الأوروبي، والاتفاقيات الدولية الأخرى، مشيرة إلى أنه يمكن التعرف على الأسلحة الشرق أوروبية من أشرطة الفيديو والصور، التي تعرض على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويفيد التقرير بأن هذه الأسلحة يستخدمها الآن الجيش السوري الحر المدعوم غربيا، والفصائل الإسلامية، مثل أنصار الشام، وجبهة النصرة، المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة، بالإضافة إلى فصائل تقاتل بجانب رئيس النظام السوري بشار الأسد، والقوات السنية في
اليمن، لافتا إلى أنه تبين لدى تفحص بعض ما كتب على الذخيرة، الذي يظهر المنشأ وتاريخ الصنع، أن كثيرا منها تم إنتاجه عام 2015.
ويورد الكتّاب أن الباحث المتخصص في السيطرة على الأسلحة في منظمة العفو الدولية باتريك ويلكين، ومقرر الأسلحة في البرلمان الأوروبي بوديل فاليرو، علقا على نتائج التحقيق قائلين إن بعض شحنات الأسلحة قد تشكل خرقا لقوانين الاتحاد الأوروبي والقوانين المحلية والدولية المتعلقة بتصدير الأسلحة.
وتنقل الصحيفة عن ويلكين قوله إن "هناك أدلة تشير إلى تحويل الأسلحة بشكل ممنهج لمجموعات مسلحة، ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، وإن كان هذا صحيحا، فإن هذه الشحنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، ويجب وقفها مباشرة".
ويكشف التقرير عن أنه تم فتح خط الإمداد بالأسلحة في شتاء عام 2012، عندما حملت عشرات طائرات الشحن أسلحة وذخائر من الحقبة اليوغسلافية، مقلعة من زغرب، ومتجهة إلى الأردن، وبعد ذلك بفترة قصيرة ظهر أول تصوير فيديو لأسلحة كرواتية في سوريا، حيث بقيت الحكومة الكرواتية تنكر إرسالها أسلحة إلى سوريا، مستدركا بأن السفير الأمريكي في سوريا في الفترة ما بين 2011 و 2014، روبرت ستيفين فورد، قال إن زغرب وقعت صفقة موّلتها السعودية عام 2012.
ويشير معدو التقرير إلى أن تلك كانت هي البداية فقط، حيث اشترى تجار الأسلحة في شرق أوروبا أسلحة من بلدانهم، وحصلوا على الذخائر من أوكرانيا وبيلاروسيا، وحاولوا شراء أنظمة مضادة للدروع سوفييتية الصنع من المملكة المتحدة.
وتورد الصحيفة نقلا عن "بيرن" و"أو سي سي آر بي"، قولهما إن ما قيمته 806 مليون يورو من صادرات الذخيرة والأسلحة للسعودية، صادقت عليها دول أوروبا الشرقية، مستشهدين على ذلك بتقارير تصدير الأسلحة للاتحاد الأوروبي، ومصادر حكومية.
وبحسب التقرير، فإن الصفقة مع الأردن كانت على 155 مليون يورو خلال هذه الفترة، في الوقت الذي حصلت فيه الإمارات على ما قيمته 135 مليون يورو، وتركيا على 87 مليون يورو، ما يجعل مجموع قيمة تلك الصفقات يصل إلى أقل من 1.2 مليار يورو بقليل.
ويكشف الكتّاب عن أن "بيرن" و"أو سي سي آر بي" حصلا على وثيقة يعود تاريخها إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، من مسؤول كبير في وزارة الدفاع في صربيا، يعرب فيها عن قلقه من أن شحنات السلاح للسعودية سيتم تحويلها إلى سوريا.
وتنقل الصحيفة عن المتخصص في أسلحة الشرق الأوسط جيرمي بيني، قوله لمجلة "جينز" إن "جيوش السعودية والأردن والإمارات وتركيا تستخدم أسلحة المشاة والذخائر الغربية، وليس الأسلحة السوفييتية، ولذلك يبدو أن الشحنات الكبيرة من ذلك العتاد، الذي تشتريه تلك الدول، أو الذي يشحن إليها، غالبا ما يكون الهدف النهائي منه حلفاؤهم في سوريا واليمن وليبيا".
وبحسب فورد، فإن الأسلحة التي تشتريها السعودية وتركيا والأردن والإمارات لسوريا، تمر عبر مركزين قياديين سريين يسميان "مراكز عمليات عسكرية" في الأردن وتركيا، ثم يتم نقل الأسلحة بريا إلى الحدود السورية، أو يتم إلقاؤها من الطائرات.
ويفيد التقرير بأنه تم إرسال حوالي 4700 طن من أسلحة حلف وارسو، بما في ذلك مدافع ثقيلة، وراجمات صواريخ، ومضادات دروع، ورصاص، وقنابل، ومدافع هاون، وصواريخ، ومتفجرات، من بلغاريا ورومانيا إلى منشآت عسكرية في الأردن وتركيا، بحسب وثائق مشتريات وبيانات تتبع السفن.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن آخر سفينة مستأجرة أمريكيا غادرت بلغاريا في 21 حزيران/ يونيو، وتحمل حوالي 1700 طن من العتاد، في طريقها إلى مرفأ غير محدد على البحر الأحمر.