ملفات وتقارير

كيف نجحت تركيا باستمالة الجماهير للخروج ضد الانقلابيين؟ (صور)

مظاهرات ميدان تقسيم ضد الانقلاب العسكري الفاشل- أ ف ب
مظاهرات ميدان تقسيم ضد الانقلاب العسكري الفاشل- أ ف ب
خرجت الجماهير التركية للمشاركة في إفشال محاولة الانقلاب، في 15 تموز/ يوليو، وكان لها دور رئيس في خروج تركيا من هذه الأزمة التي كادت أن تطيح بنظامها وديمقراطيتها، ونجحت السلطات في استمالة الجماهير الشعبية للنزول إلى الميادين العامة والشوارع والبقاء فيها حتى الانتهاء من "عملية التطهير" من الانقلابيين، كما وصفتها.
 
وكان لافتا استخدام السلطات وسائل متنوعة لا سيما في العاصمة أنقرة واسطنبول، في حث الناس على البقاء في الميادين استجابة لمطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من بينها استخدام وسائل الاتصال الجماهيري والعلاقات العامة والدعاية واستخدام محفزات عدة، ورصدت “عربي21” أهمها:
 
مآذن المساجد

لعبت المساجد دورا رئيسا في تعبئة الآلاف من الناس وخروجهم إلى الشوارع للتصدي لمحاولة الانقلاب على الحكم وإرادتهم، وكان صوت الأذان والأدعية التي سمعتها الجماهير من مآذن المساجد محركا مؤثرا لهم للحشد والتفاعل السريع والفعّال.

وبقي الأذان حاضرا في الميادين العامة وفي المساجد بعد فشل الانقلاب، وظلت المآذن تدعو لضحايا الحادثة، وتحث الناس وتدعوهم لنصرة دولتهم. 

يشار إلى أن الأذان في تركيا يرفع باللغة العربية، ولطالما كان مركز اهتمام الكثير من الشعراء والأدباء في التاريخ التركي حتى العصر الحديث.



 
مجانية المواصلات

طالب الرئيس أردوغان خلال الانقلاب وبعده، الشعب التركي، بالخروج إلى الشوارع والميادين العامة، والبقاء لمدة أسبوع كامل حتى فشل الانقلاب تماما، وأوضح أن الأمر ليس بالسهل، وأنه لا ينتهي خلال ساعات فقط.
 
 ولتسهيل هذا الأمر وحثا للجماهير على الخروج، أصدرت الجهات المختصة في تركيا قرارا يقضي بركوب جميع المواطنين في تركيا لوسائل المواصلات العامة بالمجان، على أن تتحمل الحكومة التركية التكلفة كاملة، بحسب ما أكده مراسل “عربي21”.
 
 وأضاف أن المواصلات العامة ما تزال حتى اليوم مجانية، وأن البلديات أعلنت أن المواصلات ستظل كذلك حتى يوم الأحد المقبل، بعد أن قامت بمد هذه الفترة ثلاث مرات مسبقا.
 
 وشهدت المواصلات العامة لا سيما في الفترات المسائية ازدحاما شديدا وفق ما عايشه مراسل “عربي21” في اسطنبول، التي تضم أهم الميادين العامة، فقد خرج الآلاف في مظاهرات ومسيرات استجابة للحكومة التركية والرئاسة واستنكارا لمحاولة الانقلاب. 


 
مكالمات وحزم إنترنت مجانية

حصل الأتراك وقت محاولة الانقلاب الفاشل على ثلاث حزم مجانية خاصة لحالات الطوارئ، وهي عبارة عن دقائق وحزم ورسائل نصية مجانية.

واستطاع الأتراك الاطمئنان على أقاربهم ومعارفهم، والتنسيق فيما بينهم للخروج ضد الانقلاب عبر الهاتف، واستمرت هذه الخدمة لأيام عدة.

وشملت الحزم 150 دقيقة مجانية، بالإضافة إلى 150 رسالة، و500 ميجا تحميل إنترنت مجاني.  

رسائل نصية من أردوغان ومواقع التواصل



تفاجأ الشعب التركي برسائل نصية تصل إلى هواتفهم المحمولة باسم رجب طيب أردوغان، فقد وصلتهم رسالتان نصيتان من الرئيس التركي، جاءت أولهما بعد يوم من الانقلاب الفاشل، في 16 تموز/ يوليو.
 
 ومما جاء في الرسالة التي وصل نصها “عربي21”: “أيها الشعب التركي العظيم.. هذه حركة ضد الشعب من مجموعة صغيرة ظنت نفسها وكأنها تعيش في السبعينيات فقامت بالاستيلاء على مدرعات وأسلحة للدولة.. يا أيها الشعب التركي الشريف دافع عن ديمقراطيتك وأمنك.. شكرا لكم.. رجب طيب أردوغان”.
 
وفي رسالة أخرى في 21 تموز/ يوليو، أرسل أردوغان: “شعبي العزيز، لا تتخل عن المقاومة البطولية التي برهنت عليها لبلدك ووطنك وعلمك.. الساحات ليست ملكا للدبابات بل للأمة”.
 
ولا يشكك اليوم أحد في الدور المهم الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة في وقف الانقلاب المسلح في تركيا، لا سيما مع استخدام الرئيس التركي مكالمة “FaceTime” فور إعلان الانقلاب ليطلب من شعبه الخروج وهو ما سبب إفشال المحاولة الانقلابية.
 
 الدعايات في الشوارع
 
استيقظ الأتراك في الأيام التي تلت الانقلاب، ليشهدوا الشوارع والأرصفة قد ملأتها دعايات تدعو الأمة التركية إلى التمسك بالسلام وخيارها الديمقراطي، وتحوي شعارات دعائية وكلاما للرئيس التركي ترجمته “عربي21”.
 
وبذلك، يلاحظ أن السلطات التركية استخدمت أسلوب التكرار والتأكيد، لتقود وعيهم في الوقت الحالي، وهو ما يجري استخدامه في الانتخابات حول العالم على اختلافها.
 
ولقيت الدعاية الواسعة استحسانا لدى الأتراك، ووجدت تجاوبا اتضح من خلال خروج الآلاف استجابة للدعوات بالخروج، وترديدهم شعارات كتبت على اللوحات الدعائية.

وعرض في القطارات والباصات صور لضحايا الانقلاب الفاشل.




                                  (الشعار: الحاكمية للشعب)


 

شخصيات عامة صاحبة تأثير
 
كما تميل شركات الدعاية المحلية والعالمية إلى التسويق لمنتجاتها باستخدام الفنانين والرياضيين، وجدت الساحات المناهضة للانقلاب في تركيا التي أعدتها الجهات الرسمية قادة الرأي وشخصيات عامة منها فنانون في مقدمة المشاركين، والداعين إلى دعم البلاد وقيادتها، والتمسك بخيارها.
 
وكان واضحا مشاركة الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، في المظاهرات، وتشييع ضحايا الانقلاب في اسطنبول، بالإضافة إلى رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو رغم الخلافات العلنية الأخيرة مع الرئاسة، التي دفعته إلى الاستقالة.
 
وتحمست الجماهير التركية عندما رأت الفنان التركي الشهير نجاتي شاشماز، إذ شاهده الأتراك في فعاليات عديدة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وتوجه في إحداها للشعب التركي في كلمة في اسطنبول، قال فيها إن مسلسل وادي الذئاب الذي يعد من بين المسلسات الأكثر شهرة في تركيا، وأطولها، يثبت مع الوقت أنه حقيقي.
 
وقال عن الانقلابيين وفق ما ترجمته “عربي21”، وأتباع “الكيان الموازي” في تركيا: “هؤلاء.. لقد ظهروا على أنهم محبون للناس، وخدعوا الكثير منهم باسم الله، ولكننا اليوم رأينا وجههم الحقيقي”.
 
وتابع بعد هتافات وصيحات الجمهور المتفاعل مع كلمته، قائلا: “وادي الذئاب سيدخل عامه الـ 14، لقد حاولنا شرح هذه الحقيقة طوال السنوات الماضية أن مسلسلنا يحتوي على حقائق كثيرة، وما يشبه الحقائق، مع أننا كتبنا في بداية مسلسنا بأن هذه الحقائق هي وقائع خيالية، ولكننا اليوم رأينا أنها حقيقية”.


الخطب والظهور العلني والمقابلات
 
ظهر أردوغان في مناسبات عديدة بعد الانقلاب الفاشل في اسطنبول وأنقرة، وحرص على أن يكون بين الشعب التركي، وسعى لخلق صورة ذهنية إيجابية لديه، واهتم بالتواصل معه، وشارك في تشييع ضحايا الانقلاب.
 
ومن بين العبارت والشعارت التي قالها أردوغان في خطبه العديدة: “نحن لا ننحني لغير الله”، وأصر على استخدام مصطلح “الكيان الموازي” لوصف الجهة التي يتهمها بالوقوف خلف الانقلاب بقيادة فتح الله غولن، وقال: “لن نسمح بدولة داخل دولة”. 
 
واهتم أردوغان كذلك بالظهور الإعلامي، لا سيما في المقابلات التلفزيونة والصحفية الأجنبية، ووفق ما تابعته “عربي21” ظهر على شاشات متلفزة أبرزها “سي أن أن ترك” و”الجزيرة” ووكالة “رويترز” و”سي أن أن” الأمريكية، وغيرها من المقابلات الصحفية التي أجراها المسؤولون على اختلافهم في الحقائب الوزارية ورئاسة الحكومة. 
 
 الميادين العامة وتوفير الأمن

طلب الرئيس التركي من المواطنين بقاءهم في الميادين والشوارع خلال الأسبوع الذي شهد الانقلاب الفاشل.
 
وقال أردوغان أثناء مشاركته في تشييع عدد من ضحايا محاولة الانقلاب العسكري في جامع الفاتح في اسطنبول: “هذا الأسبوع بالذات يعد مهما للغاية، لن نغادر الميادين، فأنتم من سيملؤها، وسنواصل طريقنا بشكل حازم”.
 
وشهدت الميادين العامة حضورا قويا للمستجيبين من كافة أطياف الشعب التركي، ووفقا لما شهده مراسل “عربي21”، شهدت الشوارع والميادين تواجدا للأمن التركي لحمايتها، وتوفير الحس الأمني لها، دون إعاقتها.
 
وقامت البلديات المختلفة وفق ما شهده مراسل “عربي21”، بتنظيم الميادين العامة وتجهيزها بالمعدات والأعلام التركية والمنصات والشاشات الضخمة، وتوفير الأجواء المناسبة للفعاليات الجماهيرية، بالإضافة إلى الطعام والحساء المجاني. 
 
إلى جانب إضفاء نوع من الطابع والأجواء الاحتفالية، فرحا بفشل محاولة الانقلاب. 


 
صانع صورة أردوغان
 
ومن ملامح اهتمام الرئيس التركي أردوغان بصورته العامة، اعتماده على مدير للحملات الإعلانية والدعائية، إرول أولجاك، الذي قتل في محاولة الانقلاب مع ابنه، عند جسر البوسفور، لدى تصديهم للعسكر الانقلابيين.
 
ويعدّ أولجاك صانع صورة أردوغان التي رآها العالم منذ أن كان رئيس بلدية اسطنبول حتى رئاسته الحكومة التركية، ووصولا إلى قصر تشانكايا رئيسا للدولة.
 
وأولجاك الذي شغل مستشاره الرئاسي وكانت مهمته أن يصنع الصورة الذهنية له زعيما وقائدا، كان يحدد متى يظهر وكيف يظهر، ووصف بأنه كان عبقريا نادرا في مجال عمله، باستخدام الحملات الإعلانية، ولقي مديحا كثيرا لدى متخصصين في مجال الدعاية والإعلان.
 
ولوحظت دموع حارة تنزل من أعين أردوغان على فقد “رفيق دربه” إرول أولجاك، كما وصفه هو.


 
اقرأ أيضا: أردوغان يبكي في جنازة مستشاره ويتوعد الانقلابيين (فيديو)
التعليقات (0)