كتاب عربي 21

البريطانيون يرغبون في الخروج من"التقشف" وليس من الاتحاد الأوروبي

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
يحتفل أنصار داعش بتصويت بريكست، ويدعون أن "صعود الدولة الإسلامية" هو الذي أدى إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، كما يدعون بأثر رجعي أن خلق أزمة اللاجئين المروعة في سوريا، وتهجير أهلها، وترويع وتخويف الآلاف من فقراء المسلمين حتى طلبوا اللجوء إلى أوروبا ،كان كله جزءا من خطة عبقرية حاكوها بذكائهم منذ البداية... ولنتناسى حقيقة أنهم انتقدوا بشدة السوريين الذين اختاروا اللجوء إلى "الغرب الكافر". فمن خلال إجبار الشعوب في العراق وسوريا على الفرار للنجاة بحياتهم، يدعي داعش أنه أغرق أوروبا باللاجئين بنجاح، وأنه خلق جوا متقلبا ومتفجرا في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى استفتاء المملكة المتحدة على البريكست.

لذا فدعونا نحلل هذه الادعاءات. بالتأكيد كانت الهجرة في أذهان الكثير من البريطانيين عندما صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي، فهم يخافون أن يقوم الأجانب بالاستحواذ على ثقافتهم، ويخافون من فقدان وظائفهم وذهابها للأجانب، ويخافون أن يتسبب الأجانب في انخفاض الأجور، ويخافون أن يستنزف الأجانب خدمات الرعاية الاجتماعية التي يتحملها دافعو الضرائب من البريطانيين. وأعتقد أن هذه المخاوف مشروعة بما يكفي.

ولكن انتظروا قليلا... لقد وافقت المملكة المتحدة على إعادة توطين 20 ألف لاجئ سوري فقط على مدى السنوات الخمس المقبلة. نعم نحن نتحدث عن 4000 لاجئ في العام الواحد حتى عام 2021. ولو علمنا أنه في العام الماضي هاجر 333 ألف شخص إلى المملكة المتحدة، سنجد بعبارة أخرى أن اللاجئين السوريين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من إجمالي المهاجرين، وهذا لا يعني أن البريطانيين لا ينظرون نظرة غير صحيحة للاجئين السوريين ويرون أنهم يغرقون بلادهم بأعدادهم، وأنا متأكد أن الكثير منهم ينظر هذه النظرة، ولكن هذا راجع إلى الدعاية المشوهة لأحزاب اليمين ووسائل الإعلام، وليس لداعش.

إذن ما هو السبب في هذا النوع من الدعاية؟ السبب هو أن الخوف المبالغ فيه من اللاجئين والمهاجرين يحدث في سياق التقشف والتطبيق المحلي للنيوليبرالية، والتمويل المباشر للموارد العامة من قبل القطاع الخاص، ويحدث هذا في إطار خطة إنقاذ اليونان، والخوف الشعبي المحموم، والمبرر أنه طالما أن بريطانيا ستظل جزءا من الاتحاد الأوروبي، فإنها لن تكون قادرة على الإبقاء على أيدي أوروبا بعيدة عن محافظ نقودهم.

فلو أعدنا فهم الصور بشكل صحيح، لرأينا أن تصويت بريكست كان تصويتا ضد التقشف، ولكن بما أنه لن يتم أبدا التصويت على التقشف فكان هذا هو المنفذ الوحيد للاحتجاج.

عندما قال الملايين من الناخبين أنهم يرغبون في الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما كانوا يقولونه في الواقع هو أنهم يريدون تخصيص 350 مليون إسترليني أسبوعيا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، لأن هذا هو ما قيل لهم إنه المقصود من البريكست.

وواحدة من النقاط الرئيسية في "حملة الخروج" كانت تحديدا تتحدث عن أن مئات الملايين من الجنيهات التي يتم توجيهها إلى الاتحاد الأوروبي سيتم إعادة توجيهها للإنفاق العام المحلي، الذي كان قد تم خفضه بشكل كبير في السنوات الأخيرة في إطار تدابير التقشف الحكومية. فإذا كان الاستفتاء يقول مثلا شيئا من قبيل: "هل تريدون الخروج من الاتحاد الأوروبي ومواصلة التقشف، أم تريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي ووضع حد للتقشف؟"، فلا أعتقد أن النتائج كان سيصعب التنبؤ بها في هذه الحالة، ولكن من الواضح أن النخب الحاكمة من الشركات الكبرى تعرف هذا أيضا، ولهذا السبب لم يكن ليوجد مثل هذا الاستفتاء أبدا.

إذن فلماذا تروج هذه النخب للبريكست؟ حسنا، كما قال زعيم حزب الاستقلال في المملكة المتحدة وسمسار السلع السابق نايجل فاراج: "لدينا 10 مليارات جنيه في السنة (أي 34 مليون جنيه في اليوم ستكون بمثابة وضعا اقتصاديا وثيرا) وكلها ستكون أموالا بلا أي مقابل وقابلة للإنفاق...". وأما "حملة الخروج" فهي تعني ضمنا أن هذا "الوضع الوثير" سيستمتع به عامة الناس. ولكن حزب الاستقلال كان قد قام بدعم تدابير تقشف الميزانية لديفيد كاميرون، وتقبل الرأي القائل بأن خفض العجز في بريطانيا يجب أن يأخذ الأولوية على كل شيء (وهو المنطق الأساسي من أي تقشف)، لذا فمن المنطقي جدا أن من ناضلوا من أجل البريكست لن يدافعوا عن تمويل الخدمات العامة. بل الواقع هو أنهم قد تراجعوا بالفعل عن الوعود ذاتها التي وعدوا بها في هذا الصدد لكسب أصوات في صالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لذلك فأنا آسف يا داعش! لستم أنتم من تسببتم في البريكست، فإذا كان الاتحاد الأوروبي يتفكك (ودعونا نراقب ما سيحدث) فهذا التفكك بسبب جشع النخب المحلية التي تريد التهام الأموال التي تخصص حاليا للاتحاد الأوروبي. أقصى ما نستطيع قوله هو أن داعش والنيوليبراليين يتشاركون في تجاهلهم لعامة الشعوب، ولكن هذا ليس من الأمور التي يبدو أن داعش فهمها في أي وقت مضى، وإذا كان خطابهم الانتصاري بسبب البريكست يشير إلى أي شيء على الإطلاق، فهو يشير إلى أنهم لن يفهموا هذا الأمر أبدا.
التعليقات (0)