ملفات وتقارير

الألغام.. رعب ما بعد المعركة في ريف حلب

فُقد أطفال فيصل الباشا فيما قتل باقي أفراد الأسرة نتيجة انفجار لغم
فُقد أطفال فيصل الباشا فيما قتل باقي أفراد الأسرة نتيجة انفجار لغم
يتميز سلاح الألغام والتفخيخ بأنّ أثره لا يقتصر على تأمين الحماية من العدو، وصد هجومه وحسب، إنما يستمر أثره السلبي لما بعد المعركة، وغالباً ما يكون المدنيون ضحايا ما بعد المعركة.

ولا تحتاج زراعة الألغام إلى خبرة كبيرة، فهي عملية سهلة وبسيطة وغير مكلفة، حسبما يقول أبو حسان، خبير تفكيك الألغام في ريف حلب.

ويوضح أبو حسان لـ"عربي21": "عمل مبدأ الألغام بسيط جداً يعتمد على حشوة متفجرة وصواعق، ودارة، وتختلف من حيث الطريقة المستخدمة بتفجير الصواعق والحجم".

وقد أسهمت الألغام والعبوات الناسفة باغتيال عدد كبير من القادة، حسبما يقول الناشط الإعلامي أبو علي الحلبي لـ"عربي21".

ويضيف: "معظم القادة - فيما أعتقد - تم اغتيالهم من خلال ألغام تفجر لاسلكيا، ناهيك عن العبوات الناسفة".

وقد اغتيل عدد من قادة النصرة ومنهم أبو عبد الله الجبل، بلغم أرضي بعد خروجهم من اجتماع في عندان الثلاثاء الماضي، كما نشر ناشطون.

ويمتلك تنظيم الدولة مهارة كبيرة في مجال زراعة الألغام والتفخيخ. ويقول أبو حسان: "يستطيع التنظيم خلال سويعات تفخيخ قرية متوسطة، طبعاً تكون العبوات جاهزة".

ويتابع: "يصنع داعش ألغاما بصاعقين وثلاثة وأربعة". ويرجع عسكريون ذلك لتدني تكلفة التفخيخ، وفعاليته بعرقلة القوات المهاجمة وتكبيدها خسائر بالأرواح.

ويقول الناشط أبو علي: "داعش يستخدم التفخيخ كضرورة فهو لا يمتلك طيراناً أو سلاحا ثقيلا بالقدر الكافي، ما اضطره لهذا السلاح الرخيص الثمن، لكن كبير الأثر".

الألغام حسمت معارك

ولعبت الألغام دوراً فعالاً في عدد من المعارك، آخرها معارك الثوار في ريف حلب الشمالي. فقد أحبطت الألغام هجومين عنيفين للنظام على جبهة الملاح بفضل الألغام.

ويقول أبو زيد، من لواء نور الدين الزنكي، لـ"عربي21": "تمكنا بفضل الله من إفشال محاولتين لتقدم النظام بواسطة الألغام. فقد قتل العشرات من عناصره عندما وقعوا في حقول ألغام أعددناها لهم".

وفي المقابل، فإن الألغام وقفت عائقاً كبيراً أمام تقدم الثوار في كثير من المعارك، بحسب أبو المغيرة، من الجبهة الشامية.

ويقول لـ"عربي21": "عدم توفر خبراء ومعدات بإزالة الألغام حال دون سيطرتنا على كثير من القرى رغم خروج داعش منها ككفرة والطوقلي وغيرها، ما سمح لداعش بإعادة السيطرة عليه".

المدنيون ضحايا الألغام

ويدفع المدنيون ثمناً باهظاً للألغام. وتتعدد المستويات من عاهات دائمة وبتر أطراف وصولا للموت. لكن الأسوأ هو "جعلهم فئران تجارب" كما حدث في ريف صرين.

يقول محمود من صرين: "اعتقلت قوات الحماية الكردية عدداً من أقرباء الدواعش، أو يعتقد أنهم على صلة بهم، وسيّرتهم أمامها لتنفجر الألغام بهم".

وحدثت كثير من القصص المأساوية نتيجة الألغام، إذ فقد فيصل الباشا، من قرية بزاعة، والده وزوجته وأخاه وأطفاله الأربعة بالألغام قبل نحو ثلاثة أشهر.

ويضيف لـ"عربي21": "استشهدت عائلتي كلها بانفجار لغم قرب قرية الأحمدية أثناء هربه من بزاعة إلى إعزاز، وعثرنا على جثث والدي وزوجتي وأخي مشوهة، ولم نعثر على جثث الأولاد".

ويقع المزارعون والرعاة ضحايا للألغام في مناطق التماس. ويقول الناشط أبو علي: "العام الماضي قتل شاب من قريتنا أثناء رعيه الأغنام، وآخر ستيني في قرية كفرغان كان يرعى بأطراف القرية، وبترت قدما شاب أثناء فلاحته أرضه بتل حسين"، ناهيك عمّن قتلوا بالألغام أثناء عبور الحدود.

الألغام سلاح للتهجير

استخدمت قوات الحماية الكردية الألغام لتهجير العرب السنة من مناطقهم، فعقب سيطرة هذه القوات على بلدة سلوك التي تزيد عن 10 آلاف نسمة، هجّرت قوات الحماية السكان بدعوى الحرص على حياتهم نظراً لتفخيخ البيوت والمحلات من قبل تنظيم الدول.

يقول الناشط الإعلامي حمود الأحمد من الرقة: "نزعت قوات الحماية كل الألغام التي زرعها داعش، وعندما خرج الأهالي بمظاهرات مطالبين بالعودة، أعادت قوات الحماية تفخيخ البلدة لمنع الأهالي من العودة"، بحسب قوله.

وينطبق هذا على عشرات القرى العربية كما منع الثوار الأهالي من العودة لبعض القرى كذلك.

يقول أبو جمال من قرية براغيدة، لـ"عربي21: "منعنا الثوار من العودة للقرية بحجة أنها مفخخة، ولكونها قريبة من خطوط القتال".

لكن منع الثوار لم يأخذ طابع التهجير، وتغيير طبيعة المنطقة الديمغرافية كما يؤكد الثوار. ويقول أبو بكري، من لواء السلطان مراد، لـ"عربي21": "لا يعقل أن نهجر أهلنا، ومن نقدم أرواحنا لتحريرهم والدفاع عنهم، لكن المواطن لا يدرك أحياناً الترتيبات الأمنية"، وفق قوله.

الحماية من خطر الألغام

وأمام استمرار المعارك، وغياب كوادر فنية متخصصة يلجأ المواطنون لأساليبهم الخاصة للحماية من الألغام، يقول فريد من كلجبرين: "نحاول الابتعاد عن خطوط الاشتباك، وتجنب ملامسة أي جسم مشبوه، فمنذ شهر تقريباً فخخ التنظيم عبوات المياه"، ويتحاشى الأهالي سلوك الطرق التي شهدت عمليات تفجير ألغام، ولا سيما تلك الترابية، والتي لا تسلك بالعادة كثيراً.

وتفكك الألغام بطرق بسيطة، لكن ذلك لا يمنع من وقوع أخطاء تودي بحياة الخبير الذي يقوم بتفكيكها.

يقول الخبير أبو حسان: "أحياناً يكون للغم أكثر من صاعقين، فيفك صاعقان دون الانتباه لوجود ثالث ورابع، وهذا ما حصل مع سليمان أبو محمود قائد كتيبة شهداء منبج الذي استشهد وهو يفك لغما فيه ثلاثة صواعق يوم الثلاثاء الماضي"، وذلك ما يدفع الثوار لاستخدام الطريقة البدائية. يتابع أبو حسان: "أسهل طريقة لتفجير اللغم أخذ مسافة أمان وإطلاق النار عليه".



التعليقات (0)