عادت التوترات
العرقية والدينية في الهند إلى الواجهة مجددا، مع ارتفاع نبرة الخطاب العنصري
لسياسيين هندوس مقربين من حزب
بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء
ناريندرا مودي،
حيث رصد
المجلس الإسلامي الهندي الأمريكي، تصاعدا في وتيرة الانتهاكات ضد المسلمين والتي تخللتها عمليات تهجير للقرى وتجريف للأراضي
ودعوات لمقاطعة المسلمين.
في ولاية آسام
شمال شرق الهند، هجّرت السلطات آلاف العائلات أغلبهم من المسلمين المتحدثين باللغة
البنغالية، متهمة إياهم بأنهم يقيمون على أراض تابعة للحكومة، وهو ما تسببت في
تشريد آلاف الأشخاص وتركهم بلا مأوى، إذ لم توفر لهم السلطات منازل بديلة لإعادة
إسكانهم، فيما يقيم الآلاف منهم في خيام ومساكن مؤقتة، ويعانون من نقص في المأوى
والغذاء وغيرهما من الاحتياجات الأساسية بعد تهجيرهم، وفقا لوكالة
رويترز ، وانتشر مقطع
مصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الهند للمتضررين وهم يتضرعون إلى الله
ويبكون، بسبب معاناتهم بعد إجلائهم من منازلهم قسرًا.
ويظهر في مقطع
الفيديو الشيخ مولانا شاه علم، وهو زعيم مسلم محلي من جماعة "جمعية علماء
الهند"، وقد أكد تهجير حوالي 20 ألف شخص من آسام، وأصبحوا يعيشون الآن في
العراء بعد أن هُدمت منازلهم.
اظهار أخبار متعلقة
ترحيل بتهمة
الـ"تسلل"
تبرر السلطات
الحكومية عمليات ترحيل من تعتبرهم "متسللين غير شرعيين وفدوا من بنغلاديش، إلى
رغبتها في إزالة 140 هكتارًا من أراضي الغابات في مقاطعة جوالبارا بولاية آسام،
رغم تسبب هذا الإجراء في نزوح آلاف العائلات، معظمها مسلمون من أصل بنغالي، ويقول
السكان المطرودون إنهم كانوا يعيشون في المنطقة قبل فترة طويلة من إعلانها غابة
محمية، فيما تشير التصريحات الاستفزازية الأخيرة التي أدلى بها حاكم الولاية
هيمانتا بيسوا سارما المثير للجدل بشأن القضية الإسلامية، إلى أن إبعاد المسلمين
البنغاليين هو جزء من جهد متضافر لتغيير التركيبة السكانية وكسب تعاطف الهندوس
اليمينيين المتطرفين.
انضم سارما،
العضو السابق في حزب المؤتمر الوطني الهندي، إلى حزب بهاراتيا جاناتا القومي
الهندوسي الحاكم في عام 2015، وأصبح يحظى باهتمام متزايد في الأخبار بسبب آرائه
المناهضة للمسلمين.
وبينما تستعد
ولاية آسام لإجراء الانتخابات العامة المقبلة للولاية عام 2026، كثفت الحكومة
اليمينية بقيادة سارما استهدافها للمسلمين البنغاليين، ففي آب/أغسطس الماضي، دعا سارما
الهندوس على البقاء يقظين اجتماعيا وثقافيا، محذرا مما سماه "اختلال التوازن
الديمغرافي" بسبب التأثير المتزايد لمجتمع الـ"ميا" في الولاية، وقال
مخاطبا وسائل الإعلام: "إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فقد ينتهي بك المطاف
يوماً ما بزواج بناتك وأخواتك من رجال ميا"، مضيفا بخطاب تحريضي، "حان
الوقت ليرفع الهندوس أصواتهم، حتى لا يسيطر سرد ميا على كل مساحة".
ومصطلح "ميا"،
هي كلمة مشتقة من المجتمع البارسي، الذي هاجر إلى آسام من أجزاء مختلفة من الهند
وبنغلاديش الحالية في أوائل القرن العشرين أثناء الحكم الاستعماري البريطاني،
واستقروا بشكل أساسي في مجاري نهر براهمابوترا، حيث يستغل سياسيون هندوس هذا الأمر
لإطلاق وصف "غير الشرعيين" على السكان المسلمين في ولاية آسام، حيث يُستخدم
مصطلح "ميا" الآن بطريقة مهينة، في إشارة إلى البنغلاديشيين غير
المسجلين ضمن سجلات النفوس الهندية.
من جهته، قال
مجلس
العلاقات الخارجية للأبحاث، إن الهند موطنٌ لنحو مئتي مليون مسلم، وهم من أكبر
الجاليات المسلمة في العالم، لكنهم أقلية في الدولة ذات الأغلبية الهندوسية، ومنذ
استقلال الهند، واجه المسلمون التمييز والتحيز والعنف في كثير من الأحيان، رغم
الحماية الدستورية المفترضة.
إفلات من
العقاب
ويوضح المجلس،
إن المشاعر المعادية للمسلمين تفاقمت في ظل قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي
اتبع أجندة قومية هندوسية متطرفة منذ انتخابه للسلطة عام ٢٠١٤، حيث دفعت حكومته بسياسات
مثيرة للجدل، تسببت بتقيّد الحريات الدينية، حرمان ملايين المسلمين من حقوقهم، ما
عرضهم للتميز من خلال التمثيل السياسي والوظائف والسكن والتعليم والحصول على
الرعاية الصحية، فيما كشفت منظمة "كومون كوز" الحقوقية خلال استطلاع
أجرته، أن نصف أفراد الشرطة أظهروا تحيزًا ضد المسلمين، مما قلل من احتمال تدخلهم
لوقف الجرائم ضدهم، كما لوحظ إفلاتًا واسع النطاق من العقاب لمن يعتدون على
المسلمين، وهو ما وفر بيئة لتنامي الكراهية.
قانون تعديل
الجنسية
في كانون
الأول/ديسمبر 2019، أقرّ البرلمان الهندي قانون تعديل الجنسية، ووقّع عليه مودي، ويسمح
هذا القانون بتسريع إجراءات منح الجنسية للمهاجرين الهندوس والسيخ والبوذيين
والجاينيين والبارسيين والمسيحيين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، بذريعة توفير
الحماية للأقليات الدينية الضعيفة التي واجهت الاضطهاد في هذه الدول الثلاث ذات
الأغلبية المسلمة.
وفي مفارقة
غريبة، وعد حزب بهاراتيا جاناتا في الوقت نفسه، باستكمال السجل الوطني للمواطنين في
ولاية آسام تحديدًا - أنشئ في خمسينيات القرن الماضي - لتحديد ما إذا كان السكان
مواطنين هنودًا أم مهاجرين من بنغلاديش المجاورة حاليًا، وهي عملية فريدة قد تجعل
العديد من المسلمين عديمي الجنسية إذا طُبّقت على مستوى البلاد، لأنهم يفتقرون إلى
الوثائق اللازمة، ولا يحق لهم الحصول على الجنسية السريعة بموجب قانون تعديل
الجنسية.
إلقاء
المرحلين في البحر
بدوره، سلط "بيناكي
باتاتشاريا"، الناشط في مجال حقوق الإنسان والطبيب البنغلاديشي، الضوء على
طبيعة خطاب كبار القادة الهندوس من حزب ناريندرا مودي الحاكم، والذي يدعون فيه علنًا
إلى مقاطعة الأقلية المسلمة اجتماعيًا واقتصاديًا.
وينصح
ساوميترا خان، وهو زعيم بارز في حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية البنغال الغربية
وعضو في البرلمان، الهندوس بعدم تأجير الشقق للمسلمين أو بيع الأراضي أو المنازل
لهم، أما أرجون سينغ، وهو قيادي آخر في حزب بهاراتيا جاناتا، ونائب سابق، فقد دعا الهندوس
إلى بتبني أساليب تُضعف الأقلية المسلمة في المجتمع، كما حثهم على عدم شراء أي شيء
من متاجر يملكها مسلمون، أو استخدام سيارات يقودها مسلمون، أو منح المسلمين أي عمل
أو التعامل معهم تجاريًا.
اظهار أخبار متعلقة
وتقول صحيفة
واشنطن بوست إن الجهود المتواصلة التي يبذلها حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي
اليميني في الهند تنطوي في كثير من الأحيان على أساليب ترحيل غير إنسانية فضلاً عن
تدمير أدلة الجنسية الهندية، ونقلت الصحيفة روايات عن أشخاص مسلمين قامت الشرطة
الهندية بإلقائهم في البحر تحت تهديد السلاح
دولة خالية من
المسلمين
وفي ظل خطاب
التطرف الذي توفره حكومة مودي بحسب وصف الزعيم المسلم وعضو البرلمان السابق محمد
عديب، طالب مجموعة من الكهنة الهندوس بقيادة الكاهن ياتي نارسينغاناند، خلال مؤتمر
صحفي الخميس الماضي، بإقامة دولة لا وجود فيها للمسلمين أو المساجد أو المدارس
الإسلامية.
نارسينغاناند
-المعروف بخطابه التحريضي على المسلمين والإسلام- أدلى بهذه التصريحات في معبد
"شـيـاما شـيام" في منطقة مظفرنغار بولاية أوتار براديش شمالي الهند،
خلال فعالية أقامها الكهنة بهدف ما قيل حماية (الديانة الهندوسية) وجميع الأسر
الهندوسية، والقضاء التام على أعداء الديانة الهندوسية، وتحقيق رغبات أتباعها.
الإعلام
الهندية وأحداث نيبال
في وقت ركز
الإعلام في العالم، على إظهار مشاعر الغضب لدى الشعب في النيبال بسبب الفقر
والبطالة، فيما كان السياسيون يعيشون في رفاهية مطلقة كما شوهد ذلك من خلال مقاطع
الفيديو على منصات التواصل، إلا أن الإعلام الهندي الحكومي كانت له وجهة نظر أخرى،
فقد روت وسائل الإعلام قصة مختلفة تمامًا، ولم تظهر وجوه الشباب النيباليين
الغاضبة على أنها تمرد ضد الفساد، بل كحملة لاستعادة النظام الملكي الهندوسي في
نيبال، الذي أُلغي عام 2008.
سلوك، قال مراقبون إنه تأطير يتماشى مع الرؤية
الإقليمية لحزب بهاراتيا جاناتا، بالنسبة للحزب الحاكم في الهند، لا تقتصر القومية
الهندوسية على الشأن المحلي فحسب، بل تمتد إلى جميع أنحاء جنوب آسيا، وطموح حزب مودي
الأيديولوجي المتطرفة.