من حظ حسان أنه استطاع الحديث إلى القاضي من وراء القضبان. أما في مصر ما بعد الانقلاب، فقد صار الحديث إلى القضاة أمرا محرما كما الاطلاع على أوراق القضايا المعروضة على محاكم "الشامخ". لكن القضاة ظلوا كما كانوا مستعجلين على النطق بالأحكام فهي جاهزة بخط قرارات سياسية وظروف محلية وإقليمية تستدعي اللجوء إليها بين حين وآخر لتوجيه رسائل وتصريف أزمات.
قبل أيام عادت "كتيبة الإعدام" لتضرب من جديد بساحات المحاكم المصرية في قضية ما سمي بـ"التخابر مع دولة قطر" حيث كان المتهم الرئيس المنتخب محمد مرسي وعدد من الصحافيين. انتهى الموضوع بإصدار حكم بالمؤبد على محمد مرسي الذي تحول بقدرة قادر من رئيس تؤدى له التحية العسكرية إلى مجرد "لص" مدّ دولة أجنبية بوثائق تمس الأمن القومي. أما الصحافيون الستة فنالوا أحكام إعدام بتهمة "التخابر" لتقطع السلطات المصرية شوطا جديدا في قمعها للصحافة والإعلام. لم يكفها احتلال الرتبة الثانية بعد الصين في سجن الصحافيين العام الماضي فارتقت إلى مرحلة أعلى قوامها إصدار الأحكام بالإعدام. ليس الأمر غريبا في دولة تنفذ فيها الإعدامات ميدانيا منذ الانقلاب دون محاكمات مستهدفة الصحافيين والسياسيين والمتظاهرين والجانحين على حد السواء.
يعرب كثيرون عن القلق، ويدين آخرون الأحكام كما اعتادوا دون تحرك حقيقي لكف يد السلطة الانقلابية عن التنكيل بالمعارضين. وعندما تصدر الدولة المعنية بقضية التخابر بيانا حول الموضوع، تنطلق الألسنة الوقحة لتعتبره "وقاحة" وتعليقا غير مقبول على أحكام القضاء المؤسسة على حيثيات وتحقيقات وأحراز ومستندات.
خلطبيطة.. في غرفة التحقيق.
المحقق: وتفتكر انت محتاج محامي؟
حسان: اومال في مصيبة زي ده ح أكون محتاج ايه؟ سمكري؟
المحقق: لأ مش قصدي يا حسان. أنا قصدي أن القضية بتاعتك ده انت بس ايلي في يديك حلها وانت بس ايلي تقدر تبرأ نفسك منها وتنقذ نفسك من حبل المشنقة.
المحقق: ايلي انت عارفها يا حسان.. انت كنت فين يوم الخميس 19 فبراير؟ (19 فبراير ليست بعيدة عن 11 فبراير)!
حسان: أنا بتذكر رحت الشغل ورجعت الساعة اثنين ونص. اتغديت ونمت ورحت أصطاد سمك ع النيل.
المحقق: برافو. اديك جاوبت على طول وبمنتهى الدقة كأنك متوقع السؤال ومحضر إجابته.
عندها أخبر المحقق حسان بحضوره في اليوم الموعود حفل "طهور وسبوع" أقامه زميل له لابنه.
المحقق: تفتكر ايه ايلي خلى صالح يعمل المناسبتين في ليلة واحدة؟
حسان: لا مؤاخذة يعني انتم قابضين عليا وماسكيني المسكة السوده المهببة ايلي أنا فيها ده علشان سعادتك تسألني ليه صالح عمل سبوع وطهور في يوم واحد؟
المحقق: الأسئلة ايلي انت متصور أنها ممكن تكون بسيطة وهايفة قد يكون عندها إجابة كبيرة جدا وأهمية كبيرة جدا.
حسان: أهمية كبيرة في ايه؟ هي الحكومة للدرجة ده مهتمة بطهور وسبوع المواطنين، ولا يعني طهور عيّل صغير وسبوعه ممكن يشكل خطورة على الأمن العام؟
في مصر أصبحت كل كلمة معارضة أو حركة غير مجازة من الأجهزة الأمنية، التي عادت لعز سيطرتها على الحيوات الخاصة والعامة للبلد والمواطنين، تشكل خطرا على الأمن القومي. والصحافيون صارت تهمهم تكيف على أساس توصيف مصري خالص هو "الخلية الإعلامية". توصيف لم يسمع به قبلا في العالمين. وكلما اعتقد المتابعون للشأن المصري أن تصرفات السلطة الحاكمة وصلت القاع تتفتق العبقرية العسكرية عن "مشاريع" وقرارات خارج التاريخ قبل أن تطلق "كلاب الحراسة الجدد" عبر "قنوات الصرف الإعلامي" للتنظير لها والتشفي في الخصوم ب"وقاحة" قل نظيرها.
الغريب في الأمر أن تهم الخيانة والتخابر توزع يمينا وشمالا في زمن التخلي عن الأرض والارتماء في حضن "العدو الصهيوني" بحثا عن دفء السلام.
في العام 1985 شارك محمود عبد العزيز (حسان في فيلم خلطبيطة) في فيلم (إعدام ميت) للمخرج علي عبد الخالق وفيه لعب دور منصور، عميل المخابرات الإسرائيلية، الذي كشفته المخابرات المصرية وحاكمته بالإعدام قبل أن تضطر في الأخير لمبادلته بأحد عملائها المعتقل بسيناء.
في مشهد التبادل، يصل منصور إلى الضفة الأخرى سالما فيهرع إلى والده مساعد الطوبجي فرحا.
منصور: أبوي، وحشني يا ابوي، وحشني يا ابوي..
يعانق والده لكن الأخير يباغته بضربة من خنجره أردته قتيلا.
منصور: ليه كده يا ابوي؟
الوالد: بايدي ح أطهرك من الخيانة يا ولدي.
مصر في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، لتتطهر من الخونة الحقيقيين.