استطاع النظام السيطرة على مدينة
حماة بشكل كامل، في أواخر عام 2013، حينها انتهت كل أشكال المقاومة في المدينة. وفي الثالث من شهر أيار/ مايو الفائت عادت المدينة لتظهر للواجهة الإعلامية، لكن هذه المرة بسبب الاستعصاء الذي نفذه السجناء في سحن المدينة المركزي بعد احتجاز عدد من عناصر الحراسة.
يقول أحد السجناء الذي أفرج عنهم مؤخرا، لـ"
عربي21": "كان سبب الاستعصاء هو رفضنا تسليم عدد من السجناء لتنفيذ حكم الإعدام تعسفيا بهم، وبعد سيطرتنا على السجن قام النظام بقطع الكهرباء والماء والهواتف كما منع إدخال الطعام للسجن بعد حصاره"، موضحا أنه "جرت محاولات بسيطة للاقتحام، وقام عناصر الأمن وقتها بإلقاء القنابل المسيلة للدموع فقط".
وأضاف: "بعد المفاوضات التي جرت، انتهى الاستعصاء في التاسع من الشهر الماضي، بعد الاتفاق بين النظام والسجناء على إطلاق سراح جميع
المعتقلين الموجودين لصالح محكمة الإرهاب على دفعات، خلال مدة أقصاها أربعة أشهر".
كما نص الاتفاق على "تخفيض عقوبة المعتقلين لصالح المحكمة الميدانية في سجن صيدنايا الذائع الصيت إلى النصف، وعدم إعادة أي معتقل إلى سجن صيدنايا أو الفروع الأمنية، مع عدم تدخل الشرطة في إدارة جناح الشغب داخل سجن حماة المركزي، وإبقاء جميع الهواتف النقالة مع السجناء، وإعادة الكهرباء والمياه والطعام إلى السجن".
وقد طالب المفاوضون وقتها بإشراف الصليب الأحمر على الاتفاق، "لكن النظام لم يلتزم بوعوده وأفرج عن عدد قليل فقط كنت أنا منهم"، بحسب قوله.
وعاد الاستعصاء ليتجدد أواخر الشهر الماضي، كما يفيد الناشط الحقوقي كريم الحوراني، متحدثا لـ"
عربي 21".
ويقول الحوراني: "تجدد الاستعصاء في 29 أيار/ مايو، حيث احتجز السجناء عددا من عناصر النظام، بينهم قائد الشرطة، وذلك إثر إخلال النظام باتفاقه مع السجناء، عندما طلب رئيس محكمة الإرهاب القاضي رضا موسى من معتقلين في سجن حماة أن يذهبوا لحضور جلسات محكمة الإرهاب في دمشق، ما اعتبره السجناء التفافا من النظام ونقضا للاتفاق بين الطرفين خلال الاستعصاء الماضي".
ومع تجدد الاحتجاج، "استطاع السجناء احتجاز قائد الشرطة داخل السجن لمدة ثلاثة أيام، وتم الإفراج عنه لاحقا كبادرة حسن نية من السجناء، مقابل إعادة الماء والكهرباء للسجن. كما اشترط السجناء الإفراج الكامل عن جميع المعتقلين"، وفق الحوراني.
لكن إلى الآن، كما يقول الحوراني، "لم يتحقق شيء من الوعود سوى إعادة الماء والكهرباء، كما أصدر وزير الداخلية قرارا بالسماح بإدخال الطعام للسجن، وسط انقطاع تام للاتصالات الأرضية"، فيما لم تصدر سوى قائمة بأسماء ثلاثة أشخاص للإفراج عنهم، "ما يشكك مجددا بنوايا النطام للالتزام بوعوده، وقد تعود الأمور لتتوتر مجدداُ إذا لم يف النظام بالتزاماته".
الحالة التي يمر بها سجن حماة المركزي تدفع للتفكير حول ردة فعل النظام وتعامله مع تلك الاستعصاءات، خاصة أن النظام له تاريخ في التعامل مع هذه الحالات التي كانت تحصل في
سجونه. وفي استعصاء سجن صيدنايا عام 2008 مثال حي، إذ عمد النظام إلى استخدام قوة السلاح وتدمير أقسام من السجن على رؤوس المعتقلين فيه.
ويرى الضابط محمد اليوسف، المنشق عن النظام والذي سبق أن عمل في سجون النظم المركزية، أن هناك فرقا بين صيدنايا والسجون المدنية، فـ"السجن المدني مفتوح للزيارات، ولا يمكن إخفاء ما يحصل فيه، على غرار ما حصل في سجن صيدنايا الذي لا يُعرف ما يجري فيه"، وفق قول اليوسف لـ"
عربي21".
ولا يستبعد اليوسف أن يكون النظام قد أراد إيصال رسائل إلى المجموعة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بأنه يستمع لطلبات السجناء، وأن لا انتهاكات في سجونه، معتبرا أن "النظام ليس مضطرا لقصف السجن، لكن قطع المياه والكهرباء عن السجن كاف لفض الاستعصاء".
من جهته، يرى الإعلامي خالد محمد أن "ترك النظام وسائل الاتصال لفترة مع وجود الاستعصاء تثير الريبة، وخصوصا أنه يعرف من يتواصل مع وسائل الإعلام ومن يصور ويرفع المقاطع داخل السجن".
ويضيف لـ"
عربي21": "هذا السلوك من قبل النظام يثير عدة أسئلة عن السبب"، متسائلا: "هل يريد النظام أن يعكس صورة عن نفسه بأنه لا ينتهك القوانين داخل معتقلاته؟ أم أنه يريد أن يعرض على المعارضة صفقة عبر وسائل الإعلام بمبادلة أسرى إيرانيين وآخرين تابعين له مأسورين لدى المعارضة؟".