مقالات مختارة

الفلوجة... وداعا للمقاومة

صالح عوض
1300x600
1300x600
تكون أمريكا انتقمت من المكان الأكثر نقاء وصفاء ونبلا وعطاء.. وها هي تصنع المجزرة بأيد عراقية بعد أن جعلوا الفلوجة على مذبحي التنازع الطائفي البغيض.. تمترس الدواعش بتطرفهم الأعمى خلف جدران الفلوجة، وناسها يتوعدون الآخرين بالقتل، ويزرعون في صفوفهم الموت، فيما احتشدت المليشيات بكل ألوانها وبتنوع مشاربها، العكر منها والطيب، حول المدينة الباسلة، والضحية الفلوجة، وقد توزع دمها على القبائل والمليشيات والجماعات..

لقد كان مفترضا أن تقيم الأمة في كل واحدة من عواصمها ميدانا تطلق عليه "الفلوجة"، تمجد من خلاله روح المقاومة وعزة العرب وإباءَهم في مواجهة العدوان الأمريكي.. لقد كان على الأمة جميعها أن تضع في مناهج التعليم لأولادها القصائد والحكايات عن البطولات الخارقة لفرسان الفلوجة الذين قهروا العدوان الأمريكي.. ولكن الأمريكان أسرعوا، وعلى مدار عدة محاولات، بدأت مع علاوي رئيس الحكومة العراقية تحت الاحتلال، وبعدها مع الحكام اللاحقين الذين أطلقوها شعارات طائفية للتمكن من نيل رضا الدهماء.. وتغطي على فسادهم الرهيب وعمالتهم للأجنبي، حيث استنزفوا ثروة العراق.. فرأينا صورا طائفية وسمعنا شعارات طائفية وهتافات طائفية ما كان لها أن تظهر لولا أن المقصود هو التغطية على فسادهم.

ولا يظنن أحد أن مثل هذا الحديث هو بحث عن أسباب تبرير للدواعش، ولكن ليس الدواعش فقط من دمر العراق، وليس الدواعش على جبهة معينة، فأيضا هناك المليشيات والمرجعيات التي ارتكبت الحماقة الكبرى يوم اعتبرت نفسها في حل من محاربة الاحتلال، بل ذهبت إلى التواطؤ معه لتصفية خصم لها..

الفلوجة تُذبح اليوم، وتدك بالقنابل والصواريخ، ويقتحمها الجنود الكواسر، وكأنهم على بوابات خيبر.. والمعلم الذي يدير المعركة واحد؛ انه المعلم "X" الذي يدير المعركة بإتقان.. ويوزع الأدوار على اللاعبين بإتقان.. المهم في المشهد تحطيم رمزية الفلوجة والمقاومة.. وتحويلها إلى عنوان فتنة وحروب داخلية.

مليشيا "بدر" و"الحشد الشعبي" كانا من ابرز المجتمعين حول الفلوجة، كما كان داعش في قلب المدينة يعطي المبرر للمحتشدين خارجها.. فاكتملت الصورة بيد المتقاتلين.. على جثة الفلوجة.. فكم من القتل ارتكبوا، إنه قتل المعنى الرائع بأن هناك قلاعا في الأمة أبت الخنوع للمحتل الأمريكي.

لن تكون واقعة الفلوجة هي آخر الحروب في العراق، فهناك الموصل، وهناك المدن والقرى التي انكسرت أمام اجتياح الحشد الشعبي في صلاح الدين وتكريت، وتنتظر للانطلاق والانبعاث في أي لحظة سانحة، حيث لن يطول فرح المنتصرين الذين غطى طيران أمريكا هجومهم، فإن أمريكا تعرف كيف تقلب الأدوار والمواقع، وكيف تصنع الأعداء والمرتزقة.. هناك المشاعر التي جبلت بالمآسي، وهناك التجاوزات التي أفقدت أصحابها مبررات القتل والهجوم.

يا فلوجة، عليك سلام، ومنك سلام، واليك سلام.. يا قاهرة الأمريكان، عذرا كان يليق بك أن نجعلك على الرؤوس تاج فخر، لا أن نلقي بك بين القتلة المهووسين يتقاذفونك في بحر الدم.. لكن فاجعتنا بك تدق ناقوس الخطر علنا، نصحو ونتحرر من كل الأفكار المميتة والمشاعر الدونية الجاهلية.. تولانا الله برحمته.

الفلوجة رمز المقاومة الباسلة ضد العدوان الأمريكي، يجتمع عليها اليوم أصحاب المشاريع الهزؤ والأفكار المتخلفة والضمائر النخرة والهمم الهابطة.. يجتمع عليها الدواعش وبدر والحشد الشعبي وسواه من مليشيات، لتعزيز روح الانقسام في نسيج الأمة الواحد.

من المفيد القول هنا ونحن نتلوى ألما ونتحسس قلوبنا تتفطر كمدا، وقد تقطعت نياطها على أهل الفلوجة ومساجدها وصراخات أطفالها وأنين جرحاها.. من المفيد القول إن الأمة الواحدة بقومياتها ومذاهبها بريئة من كل المشاعر المنحطة التي تسكن نفوسا مريضة هنا أو هناك، ونقول إن مسعري الحروب بين أهل البلد الواحد والأمة الواحدة لن ينالوا إلا الخزي في الدنيا والبوار عند الله العلي الجبار.. تولانا الله برحمته. 

عن الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل