شرفاء مصر الذين وقعوا في قبضة العصابة التي تحكمها في يوم الأرض، يوم 25 إبريل 2016، صدر الحكم عليهم بالسجن لمدة خمس سنوات.
ثم قضت محكمة جنح مستأنف الدقي بقبول استئنافهم على حكم حبسهم خمسة أعوام، بتهمة التحريض على التظاهر، فألغت عقوبة الحبس، واكتفت بتغريم كل متهم 100 ألف جنيه، وهي أقصى قيمة غرامة للاتهامات الموجهة إليهم والمنصوص عليها في قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013.
غرامة ضخمة، تدل على انحطاط الدولة، فهي تستقوي على هؤلاء الأبطال، وتغمض عينيها عن الذين سرقوا عشرات المليارات من المال العام، وتتصالح معهم بمبالغ تافهة.
وحين قدم أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين طلبات بتقسيط قيمة الغرامة على 6 أو 8 أشهر، رفضت المحكمة تقسيط قيمة الغرامة التي قضت بها المحكمة على 47 شخصا لمشاركتهم في تظاهرات "يوم الأرض"، وذلك بالطبع سلطة تقديرية لرئيس المحكمة.
انطلقت في مصر صرخات الوجع، وأصبح الكل يرى هؤلاء المعتقلين رهائن، وأن الدولة قد خطفتهم، وها هي تطلب فدية مقابل إطلاق سراحهم، تماما كما يفعل أي مجرم، وكما تفعل أي مافيا متخصصة في خطف البشر.
***
هناك حقيقة مرة ... وهو أن أسلوب الخطف وطلب الفدية أصبح منهجا متبعا من السلطات منذ الشهور الأولى لانقلاب الثالث من يوليو 2013، ولكن – وللأسف الشديد – لم يشعر أحد بذلك، لأن من تعرض لهذا الأمر كان فصيلا واحدا من المجتمع، وها هي الكأس تدور ليذوقها الجميع، وهذه بعض النماذج التي ربما لا يعلمها غالبية الناس،لكن أهالي المعتقلين ومراكز التوثيق الحقوقية تعرف ذلك جيدا، ولولا خوف الأهالي على ذويهم الأسرى من التنكيل بهم داخل أو خارج السجون لكانت هذه الحكايات ملء السمع والبصر.
أسلوب الإفراج عن المعتقلين بكفالة أصبح منهجا متبعا من أجل تركيع الرافضين للانقلاب، ويكفي أن تعرف أن قرية واحدة من قرى الجيزة، تخرج التظاهرات فيها بشكل شبه يومي، دفعت في عام واحد فقط ما يقرب من 15 مليون جنيه من أجل تحرير رهائنها (المبلغ ينقسم بين كفالات الإفراج عن المعتقلين، بالإضافة إلى تكاليف الزيارات والإعاشة داخل السجون).
هناك آلاف الحالات التي تم الإفراج عنها بالفعل (من السجون أو من أقسام الشرطة) برشوة ضباط الشرطة، بل إن هناك حالات مسجلة لأشخاص تم اعتقالهم خصيصا لكي يتم ابتزاز ذويهم (لأنهم من الأغنياء) لكي يدفعوا مقابل إخراجهم من المعتقل.
هناك آلاف المساجين الذين قبض عليهم عشوائيا، وليس لهم ملف أمني، أمثال هؤلاء يصبحون رهائن في يد الشرطة، يساومون ذويهم وأسرهم على مبالغ قد تصل إلى مائة ألف جنيه، لكي يفرجوا عنهم.
حتى النيابة لم تسلم ... فهناك عشرات الحالات التي تؤكد حصول بعض وكلاء النيابة على رشى مقابل عدم تجديد الحبس الاحتياطي.
أصبح هناك (بيزنيس) جديد، لمحامين لهم صلاتهم بالجهات الأمنية، يتم فيه اقتسام الفدية بين المحامي والضباط.
هؤلاء المحامون لهم صلاتهم أيضا بالقضاة، وهناك العديد من الحالات التي حصل فيها متهمون على أحكام بالبراءة مقابل رشى لهؤلاء القضاة الفسدة !
***
بعض المساجين الغلابة بدأ ذووهم في التفاوض مع عصابة العسكر من أجل الإفراج عن ابنهم، وحين عجزوا عن الدفع بسبب طمع زبانية السجن ... تم التنكيل بابنهم في المعتقل، وعاش جحيما لا يطاق منذ ذلك الحين، فأصبح حتى التفاوض مع الخاطفين من أجل تحرير الرهينة ... أصبح مغامرة قد يكون لها عواقب وخيمة، فأنت تتفاوض من منطق ضعف مطلق، مع شخص يرى لنفسه سلطة مطلقة، وفي الوقت نفسه لا يملك أي رادع من دين أو أخلاق، إنهم ضباع مفترسة في زي رسمي.
***
على جانب آخر ... هناك شخصيات سياسية في السجون يتم التعامل معها بمنتهى الحقارة والعنف، فهؤلاء السجناء معرضون للانتقام والتنكيل حسب الأحداث السياسية التي تجري خارج أسوار السجن، وأوضح وأقذر نموذج على ذلك هو إعدام مجموعة الشباب المعروفة بـ"عرب شركس"، فقد أعدموا لأسباب سياسية بحتة، بعد مقتل وكلاء النيابة في سيناء يوم 16 مايو 2015، تم إعدام هؤلاء برغم وجود دعوى في مجلس الدولة تطالب بصفة مستعجلة بوقف قرار المدعي العام العسكري بالتصديق على حكم الإعدام.
السياسيون في المعتقلات يتم التنكيل بهم كأسلوب من أساليب الضغط لكي يخف حراك الشارع، أو من أجل الوصول لهدنة، أو من أجل إجبارهم على طلب العفو، أو من أجل الوصول لمصالحة مزعومة ... أو لأي سبب آخر !
خلاصة القول: هناك "سبوبة" جديدة في حضن الشرطة، والنيابة، والقضاء ... إنها "بيزنيس المعتقلين" !
***
على جانب آخر ... هناك صفقة أخرى، أكبر من هذه، يقايض بها المسؤولون المصريون وعلى رأسهم "سيسي"، يقايضون المجتمع الدولي بأزمة لاجئين جديدة في حالة إسقاط نظامهم الفاسد.
يهددون حلفاءهم الأوروبيين بأن إسقاطهم يعني أن ينزح المصريون إلى شواطئ أوروبا بعشرات الملايين!
كلام يقال بشكل واضح وصريح في اجتماعات مغلقة، ويتم التلميح به أحيانا في العلن من خلال استحضار الحالة السورية في كل مناسبة، وبدون مناسبة.
نحن رهائن عند هذا النظام ... وهو لا يفرق بين المسلم والمسيحي، وبين الإسلامي والليبرالي، وبين الكبير والصغير ... ولكن للأسف ... نحن من نفرق صفوفنا، ونحن من يأبى إلى أن يظل رهينة في سجون هؤلاء الخونة.
***
متى الخلاص؟
حين يتقدم الصفوف مجموعة من المخلصين، من سائر التيارات، بلا هدف سوى تغيير هذا الوضع المزري، تحت مرجعية ثورية يتوافق عليها الجميع، من أجل إقامة دولة القانون التي يريدها سائر المصريين.
متى يحدث ذلك؟
أعتقد أن جميع الظروف تحتم أن يحدث ذلك قريبا !
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
ملحوظة : لم أتطرق في هذه المقالة لبيزنيس (مصادرة الأموال والمنع من التصرف في الممتلكات)، ولعلي أكتب في ذلك قريبا إن شاء الله.
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني:
[email protected]