أصبح المواطن الأردني كمن يركض وراء سياسات وقوانين وقرارات الحكومة للحصول على كسرة فهم. مواطنون يضربون بالرمل ويلهثون خلف العرافين والسحرة، فقط كي يستطلعوا ما هو مستقبل وطنهم الذين أحبوه في ظل سياسات ترسم بعيدا عن أعينهم وسمعهم وحتى فهمهم، وكأنهم أطفال...هكذا؛ خلقوا أطفالاً وسيبقون! ومن العيب أن تُتْلى أحاديث السياسة أمامهم، كما يعتقد الساسة.
قوانين تقر لا يُعْرف لماذا أُقرّت وكيف أُقرّت ولمصلحة من! فيما يلقى للأطفال لعبة كي يقضوا وقتهم بعيدا عن أحاديث السياسة والقوانين كقانون صندوق الاستثمار لسنة 2016م. القانون الذي يُعتبر بحقٍّ قانون مريب ويحمل قرارات اقتصادية مريبة، ويغلب عليه الطّابع الاستفزازي بمخالب رجال المال والأعمال، ويتّجه بنا إلى الرأسمالية المتوحشة بتشبيك العلاقة غير النّزيهة مع الأيادي الأجنبية لبيع المُقدرات، فيُعطِي مَن لا يستحق حقوق من يستحق.
قبل الدخول في الفقرات الخطرة سنحاول ربط القانون مع القرارات المصاحبة كالتغير في إدارتي البنك العربي والضمان الاجتماعي، والطريقة التي تم فيها التصويت. مدير البنك العربي الجديد الوزير السابق باسم عوض الله هو منسق الاستثمارات السعودية في الأردن، وهو ذاته أبرز نجوم إن لم نقل 'عراب' 'دافوس' المؤتمر الاقتصادي الذي اتضح أنه يحاول إدخال إسرائيل للمنظومة العربية بغطاء اقتصادي من خلال مشاريع ضخمة مشتركة.
الضمان الاجتماعي ليس بعيدا عن الحلبة؛ فهو مساهم كبير في البنك العربي ويمتلك 15.5% من قيمة أسهم البنك، وله حق الدخول على شراء بعض الحصص الكبيرة المعروضة للبيع، إضافة أنه قد يعيق بعض القروض والتسهيلات المحتملة والتي ترتبط بقانون الاستثمار.
طريقة التصويت على القانون كانت من الأهمية بمكان بحيث لا نستطيع القفز عنها، أو إهمالها ولا بد لنا أن نتساءل: لماذا لم يذهب القانون للتصويت كما هو؟! ولماذا تدخلت النائب رولا الحروب وطالبت باستثناء الشركات الإسرائيلية من القانون؟! وهل طُلب منها ذلك؟! أم أن وحيا سقط عليها في تلك اللحظة؟! لن ندخل في نوايا النائب وما وراء الطلب، وبذات الوقت لن نعطي صكوك البراءة ونترك للمواطن فسحة تفكير بسيطة. في الجلسة الصباحية صُوّت بالأغلبية باستثناء الشركات الإسرائيلية من القانون كما طالبت النائب الحروب! وفي جلسة المساء أعيد التصويت من جديد بعد مقترح نيابي قدمه النائب حديثة الخريشا! ويسمح للشركات الأجنبية كافة بالمشاركة في استثمارات الصندوق. الفترة ما بين الجلستين كانت كافية للسعودية لتعطي رأيها في مسألة مشاركة الشركات الإسرائيلية! ومن البديهي أنها كانت ستتدخل لو أنها لا تريد للشركات الإسرائيلية أن تدخل معها في شَراكات ومشاريع من خلال الصندوق.
عودة للقانون 'البلدوزر' الذي جرف وأزاح واستبعد كثيراً من القوانين من خلال تكرار عبارة (بالرغم مما ورد في أي قانون أو تشريع آخر). ليس ذلك فحسب؛ بل أعطى الصندوق الحق بعدم الأخذ بأي قرارات حكومية مستقبلية أو تشريعات أو تعديلات للقانون تمس حقوقه وامتيازاته وإعفاءاته أو ُتحدث تغييراً فيها. لاحظوا المادة 8 الفقرة ب نصها: "على الرغم مما ورد في قانون الشركات وقانون الأوراق المالية وأي تشريع آخر، يتم إنشاء الشركة بأحكام خاصة تنظم أعمالها وذلك بموجب نظام يصدره مجلس الوزراء لهذه الغاية، ولها أن تطرح أسهمها للاكتتاب العام".
المادة 14 نصها: "تستثنى حقوق التطوير والاستثمار لأي من المشاريع المنصوص عليها في هذا القانون من أحكام قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص". .. فكيف يسمح بإنشاء شركات دون أن تخضع لقانون الشركات؟! وكيف تكون مساهمة عامة وتطرح أسهمها للاكتتاب دون أن تخضع لقانون هيئة الأوراق المالية؟! وأين هي العدالة مع باقي الشركات في القطاعين العام والخاص.
أما المادة 11 الفقرة (أ)والتي نصها: "يُعفى الصندوق والشركة من الرسوم الجمركية ورسوم الطوابع وأي رسوم أو ضرائب أو بدلات حكومية أخرى بما في ذلك الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة وضريبة الدخل بما في ذلك ضريبة الدخل على الأرباح التي يوزعها الصندوق أو توزعها الشركة على المساهمين". والمادة 11 فقرة (ب): "لا يخضع الصندوق ولا الشركة لأي قرارات حكومية مستقبلية تتعلق بزيادة الضرائب والرسوم مهما كان نوعها"... وهاتان الفقرتان لا مثيل لهما من حيث الأبدية والسرمدية؛ فلم يحدد الإعفاء بفترة زمنية كأول خمسة عشر عاماً أو خمسة وعشرين، وتُرك الإعفاء إلى يوم البعث!
أما المصيبة الكبيرة فكانت في المادة 10الففقرة (ب) ونصها: "على الرغم على الرغم مما ورد في أي قانون أو تشريع آخر تُفوِّض الحكومةُ الصندوق بقرار من مجلس الوزراء بحق التصرف والإدارة في أملاك الخزينة والحراج اللازمة لإقامة المشاريع الواردة في حقوق التطوير والاستثمار المشمولة بهذا القانون. والمادة 13 ونصها: "إذا تطلب إنشاء أي مشروع تملك الصندوق أو الشركة لأي عقار وامتنع مالك العقار عن بيع ذلك العقار أو أي جزء منه بسعر عادل فللصندوق أو الشركة الطلب من المجلس استملاك ذلك العقار، فإذا وجد المجلس أن ذلك العقار ضروري لإنشاء المشروع يقرر التوصية إلى مجلس الوزراء الموافقة على استملاك ذلك العقار أو الجزء اللازم منه لمصلحة الصندوق أو الشركة باعتبار أن إنشاء المشروع يحقق النفع العام بالمعنى المقصود في قانون الاستملاك". ..
وهاتان الفقرتان تعدان سطواً غير مسلح، ليس فقط على الأراضي الأميرية بل حتى على الملكيات الخاصة بإجبار مالكيها على البيع رغم أنوفهم بذريعة المنفعة العامة! خطابنا ليس تشاؤمياً؛ بل تلك النقاط المرعبة التي أُقرّت في القانون، وجملة الأحداث المحيطة التي تبعث على الريبة وتثير التساؤلات التي تفضي للشكوك. فلكم أن تقارنوا بين حاجة الدّولة إلى المداخيل، وحجم التنازل عن مصادرها لصالح رجال الأعمال وإثقال كاهل المواطن بارتفاع الأسعار الجنوني من جهة والتقطير عليه من جهة أخرى، مقابل سخاء حكومي، من خلال إقرار قوانين تحت ذريعة جلب الاستثمارات، وهو ما يعني اختطاف الدولة من طرف المافيا المالية "دافوس" وابتلاعها لمؤسسات الدولة ورهن سيادتها للقرار الاقتصادي ولاحقا السياسي.
الآن أصبح المواطن الأردني لا يحتاج لكثير عناء أو لزيارة عرّاف كي يعرف أن القانون الذي يبعث على الغثيان، يصبّ في صالح أرباب المال – بما فيها الأجانب - إن لم نقل الأعداء، على حساب المواطن، في ظل أزمة تراجع مداخيل الدولة بسبب سياسات فاشلة وساسة فاشلين وفساد تفشى دفع وسيدفع ثمنها المواطن المكلوم. والآن سيرقص منتجو 'دافوس' فرحين بما حققوه وسيحققوه مُتسلُحين مُتدرّعين بالتشريع والقانون.