ما زالت مدينة
الفلوجة الشغل الشاغل للعراقيين منذ غزو أمريكا للعراق في 2003، وحتى الآن، فبعدما اشتهرت بمقاومتها الشرسة للمحتل الأمريكي، عادت اليوم لتكون مسرحا جديدا لعمليات عسكرية هي الأكبر منذ أن سيطر عليها
تنظيم الدولة عام 2014.
وعلى ما تبدو، فإن معركة الفلوجة هذه المرة مختلفة، فالكل عازم على استعادة المدينة من التنظيم، إلا أن حسابات كل جهة تختلف عن الأخرى، فبينما يهدف البعض إلى إعادة الاستقرار والنازحين إلى مدنهم، فإن آخرين يحاولون من خلال المعركة تصفية حسابات سياسية على أساس طائفي.
ويشارك في المعركة التي أطلق عليها اسم "كسر الإرهاب" آلاف المقاتلين من قوات الحشد العشائري (السنة)، ومليشيات الحشد الشعبي (الشيعي)، إلى جانب تشكيلات القوات الأمنية
العراقية من جيش وشرطة وقوات الرد السريع ومكافحة الإرهاب (الفرقة الذهبية).
ويقول رافع العيساوي وزير المالية السابق في سلسلة تغريدات على "تويتر"، إن "داعش ستنهار وبسرعة وعلى عشائر الفلوجة ألا تسمح للمليشيات التي هي الوجه الآخر للإرهاب بتدنيس المدينة"، لافتا إلى أن "داعش دمرت مدننا بتواطؤ من المالكي، ولا نريد أن يتكرر تدمير ما تبقى بتواطؤ العبادي مع
المليشيات".
ويرى القيادي السني، أن "مهمة داعش انتهت بتدمير مدننا بعد حرق الأخضر واليابس، مهمة التحرير للعشائر، أما المليشيات فلن ننسى جرائمها في ديالى وصلاح الدين وبغداد"، مضيفا أن "دولة الإجرام (داعش) إلى زوال، إنها تحتمي بالمدنيين وتعطي المبرر لتدمير مدن العرب السنة، ترقبوا هزيمة داعش فقد اكتملت مهمتها الإجرامية".
وبحسب العيساوي، فإن "داعش التي عاثت في الأرض فسادا اقتربت نهايتها، وإن مهمة الخيرين بعد ذلك هي ملاحقة المليشيات قضائيا وتجريمها ومحاسبتها على جرائمها الطائفية".
ولادة المهدي
ربط أبو مهدي المهندس القيادي في مليشيات الحشد الشعبي، بين انطلاق العسكرية في مدينة الفلوجة وبين ذكرى ولادة
المهدي عند الشيعة التي يحتفلون بذكراها في 15 شعبان من كل عام، قائلا: "في الوقت الذي نبارك فيه للعراقيين ذكرى الـ15 من شعبان، فسنقوم بعد ساعات بعمليات تحرير كل مدينة الفلوجة"، بحسب مقطع فيديو تداوله ناشطون.
وأضاف المهندس، أن "مدينة الفلوجة تعتبر رمزا وقاعدة للإرهاب، ومن خلال هذه العمليات وبعزم الحشد الشعبي والجيش بكل صنوفه والشرطة الاتحادية، نستطيع أن نحرر هذه المنطقة لإعادة الأمن إلى بغداد"، فيما لم يذكر المهندس أي دور لمقاتلي العشائر السنية بالمعركة.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فجر الاثنين، شن عملية عسكرية لتحرير مدينة الفلوجة التي تبعد 50 كلم عن بغداد، من "تنظيم الدولة"، قائلا: "نبدأ عملية تحرير الفلوجة، مضيفا أن "العلم العراقي سيرفع ويرفرف عاليا فوق أراضي الفلوجة".
إلى ذلك، اعتبر بعض قادة المليشيات، أن الفلوجة منبع للإرهاب ويجب تطهير الإسلام منها، فقد قال أوس الخفاجي قائد مليشيا أبو الفضل العباس، إن"الفلوجة هي منبع الإرهاب منذ 2004 وحتى يومنا هذا، ولا يوجد فيها شيخ عشيرة آدمي، ولا إنسان وطني ولا ملتزم دينيا، حتى في مذهب أهل السنة".
وشدد الخفاجي في كلمة له أمام أتباعه، على أن "هذه المعركة فرصة لتطهير العراق، لاستئصال ورم الفلوجة منه وتطهير الإسلام منها، فهذا شرف لا بد من المشاركة فيه وأن نناله، ويجب أن نكون من السباقين في هذه المدينة"، بحسب مقطع فيديو بثه الإعلام الحربي.
صواريخ "النمر"
من جهته، وصف الناطق باسم الحراك الشعبي في ديالى الشيخ أحمد سعيد، إطلاق صواريخ على الفلوجة تحمل صورة رجل الدين الشيعي نمر النمر، بأنها رسالة إلى دول المنطقة بأن "المعركة ليست في العراق، فحسب وإنما إلى دول المنطقة أيضا".
وقال سعيد في تصريح لـ"
عربي21"، إن هذه رسالة وجهتها المليشيات الشيعية إلى السعودية مفادها أن "المعركة المقبلة بعد الانتهاء من الفلوجة ستكون في أرضكم وسنأتي إليكم".
وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأحد، صورا لبدء مليشيات الحشد الشعبي بقصف مدينة الفلوجة، بعد طلبه من سكانها مغادرتها.
وتظهر بعض الصور التي اطلعت عليها "
عربي21"، صور رجل الدين الشيعي نمر النمر على راجمات الصواريخ الموجهة نحو الفلوجة، بينما تظهر صور أخرى صواريخ كُتب عليها "النمر"، قال ناشطون إنها جُهّزت لقصف أهالي الفلوجة.
يذكر أن الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق، كانت قد سارعت إلى الإدانة والاستنكار لتنفيذ السعودية لحكم الإعدام بحق رجل الدين نمر النمر، على خلفية اتهامه في قضايا تحريض وإرهاب، بينما توعدت فصائل الحشد الشيعي بعمليات انتقامية ضد الرياض ردا على تنفيذها الحكم.
وقالت "عصائب أهل الحق" العراقية الموالية لإيران في وقت سابق عقب إعدام النمر، وهي إحدى كتائب الحشد الشعبي التي شكلت بقرار من المرجعية الشيعية بالعراق، إن الإقدام على هذه الخطوة "لن يجلب لهم إلا زوال ملكهم ونهاية حكمهم".
وكانت السلطات السعودية، أعدمت رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر في 2 كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، مع 46 شخصا آخرين، بينهم 43 متشددا سنيا بعضهم من قيادات ومنظري تنظيم القاعدة.