في سابق الأيام أقام البعض الدنيا ولم يقعدها، حينما أُرسلت بالخطأ رسالة كان مطلعها "عزيزي بيريز"، كانت تلك الرسالة من "الرئيس مرسي"، ورغم أننا علمنا أن شخصا ما في قصر الاتحادية مسؤول عن الشؤون البروتوكولية قد قام بهذا الفعل بنوع من الدس على الرئيس آنذاك، ضمن محاولات النيل من سمعته، والترويج إلى أنه يخاطب العدو الإسرائيلي والكيان الصهيوني بلغة ودودة لا تليق بشأن انعقاد العداوة لإسرائيل في هذا المقام، ورغم تنبيه الرئيس في ذلك الوقت من ضرورة عرض تلك الرسائل التي تتجه إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة في ملف خاص، إلا أن من أراد بهذا الدس أن يحقق هدفه الخبيث قد مرر تلك الرسالة بعد أن مررها بين رسائل بروتوكولية بهذا التوقيت، وقامت الدنيا ولم تقعد، لم يستطع أحد آنذاك أن يدافع عن ذلك الموقف، إلا ما صرح به عن ذلك بأن هذا الأمر لم يكن إلا خطأ بروتوكوليا.
وتمر الأيام والسنوات وتقوم سلطات الانقلاب ممثلة في وزير خارجيتها بكتابة خطاب يتضمن تهنئة حارة بمناسبة ذكرى النكبة، يهنئ إسرائيل بذكرى إعلانها واحتلال فلسطين، يفعل ذلك بعمدية واضحة وبلا مواربة، إنه يهنئ الكيان الصهيوني بقيامه وترسيخ دولته في ذكرى احتفاله، باحتلال غاصب وسافر، ماذا يعني ذلك، يعني أن منظومة الانقلاب لا ترى بأسا في تهنئة كيان صهيوني بذكرى احتلاله.
وفي اليوم ذاته، تقوم سلطات الانقلاب فيما أكد موقع "أروتز شيفا" الإسرائيلي أن سلطات القاهرة قطعت يوم السبت آخر كيبل كهرباء واصل إلى جنوب القطاع في غزة من مصر، والذي كان يغذي رفح وخان يونس، موضحة أن قطاع غزة سيغرق في الظلام الدامس، في الوقت الذي لا يمكن فيه أن يتهم الفلسطينيون في غزة إسرائيل بأنها السبب في ذلك.
وبحسب مراسل الموقع "مان بارلي"، فإن مسؤولية انقطاع التيار الكهربائي تتحملها مصر بشكل كامل، وأيضا هي مسؤولة عن معاناة مناطق رفح على الحدود المصرية، وخان يونس، المتاخمة لواحدة من أكبر المستوطنات الإسرائيلية "غوش كاتيف" من انقطاع كامل للكهرباء، وقال الموقع إن الخط الأول قطع منذ أسبوعين، وهو ما أدى لتقليل فترات استخدام الكهرباء إلى ست ساعات في اليوم لكل مناطق وأحياء القطاع، وبذلك أضافت منظومة الانقلاب مشكلة الكهرباء إلى مشكلات أخرى يعاني منها القطاع.
وتقريبا، وفي تزامن لا تخطئه عين، فتح معبر رفح لمدة يومين، وعلى الرغم من الزحام الشديد على الجانبين، إلا أن السلطات المصرية أغلقت المعبر، غير مكترثة بكل الحالات الحرجة، بل أعلنت السلطات أنها استطاعت أن تقبض على عشرين فلسطينيا قامت بترحيلهم وتسليمهم.
إنها تدبيرات الانقلاب في خنق قطاع غزة، وإحكام الحصار حوله على البشر، وعلى كافة احتياجاتهم، وعلى تعمد جعلهم في حال من الظلام الدامس لا يكترثون لأهل القطاع ولا تدبير ضرورات معاشهم، في عمل ممنهج تقوم به منظومة الانقلاب حتى صارت إسرائيل ليست بحاجة لإحكام حصارها؛ لأنه للأسف يقوم غيرها بكل ما من شأنه النيل من أهل غزة بحالة من العقاب الجماعي والحصار الخانق.
هكذا سنرى تصريحات دورية وشبه يومية يتحدث فيها الكيان الصهيوني من أن تلك الهبة الانقلابية هي أفضل ما صادفته إسرائيل في السنوات الماضية في حال شكل السيسي وسلطات انقلابه ليس ما عبر عنه إبان مبارك المخلوع بكونه كنزا استراتيجيا، ولكنها حالة من تعمد تلك السلطات ضمن حالة انبطاح استراتيجي تقوم فيها سلطات الانقلاب بما لا يمكن أن تتخيله إسرائيل ذاتها، بل إنه بين الفينة والأخرى تصدر تصريحات هنا وهناك تتحدث عن إحكام الحصار على هذا النحو الفاجع والفاضح، يمكن أن يشكل على المدى المتوسط حالة احتقان في القطاع يمكن أن تؤدي إلى بوادر انفجار.
هكذا تقوم منظومة الانقلاب بهذا العمل الممنهج، ورغم ذلك يخرج من يخرج من إعلان إفكه ليتحدث عن أن السيسي سيكون على يديه زوال إسرائيل، أو أنه صلاح الدين الذي سيفتح بيت المقدس، ولعمري تجد هذا الخطاب الواهن من إعلان الإفك إنما يعبر عن حالة انفصام في الخطاب وفي الفعل، فكيف يمكن تصديق مثل هذا الهراء في ظل هذه السياسة الثابتة والمواقف الواضحة الفاضحة التي تجعل من إسرائيل الحليف وليس العدو؟
في دراسة مهمة حول احتفاء الكيان الصهيوني بالانقلاب تؤكد "إن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو بطل إسرائيل، فلا يحتاج المرء أن يكون لديه عين ثاقبة بشكل خاص حتى يكتشف حجم التشجيع العميق والإعجاب الخفي الذي تكنه النخبة الإسرائيلية تجاه قائد قوات الجارة الكبرى من الجنوب، الذي قام بسجن الرئيس المنتخب، الذي قام بتعيينه في منصبه..
من الأهمية بمكان الوقوف عند جملة التوصيات التي قدمها "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، الذي يعدّ أحد أهم محافل التقدير الاستراتيجي في إسرائيل لصناع القرار في تل أبيب حول سبل دعم الانقلابيين في مصر وتكريس شرعيتهم ،إن الاحتفاء الإسرائيلي بالانقلاب وتجند الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل لخدمة الانقلابيين تعكس في الواقع حجم الرهانات التي تعقدها الدولة العبرية على هذا الانقلاب، وسعيها في توظيفه لتخليصها من التداعيات "السلبية" لثورات الربيع العربي، التي أضرت ببيئتها الاستراتيجية. وسيتعرض الباحث هنا لجملة هذه الرهانات.
بل أكثر من ذلك فإنه يستبدل عداوة إسرائيل بعداوة أهل المقاومة في غزة العزة، ويحاولون أن يرموا هؤلاء بكل ما من شأنه أن يجرم فعل مقاومتهم، بل إن لغة التحريض بشكل مباشر وغير مباشر تأتي من سلطات الانقلاب الرسمية ومن خطاب إعلامي مأفون.
هكذا كان تصرف منظومة الانقلاب حيال هذا العدو الفاضح، وهكذا كان تدبيرهم من قبل حول خطاب عزيزي بريز وخطاب إعلان إفكهم وكذبهم وافترائهم، يقومون بكل ذلك بدم بارد، يساندون العدو، ويدعمونه، ثم بعد ذلك يتحدثون عن عداوة إسرائيل، فكيف يمكن أن يتسق معنى العداوة مع كل معاني الحلف والصداقة والخطاب المستمر والمستقر حول الحفاظ على أمن إسرائيل وكأنه من أمن مصر؟
تكذبكم أقوالكم الخاطئة ومواقفكم المخزية وأفعالكم الفاضحة.