تباينت ردود الفعل في أعقاب إعلان فوز الباكستاني المسلم
صادق خان؛ بمنصب عمدة
لندن، هذا المنصب الذي يُعد الأعلى بعد رئاسة الحكومة إذ يمنحه الحق في التصرف بموازنة تتجاوز 20 بليون دولار في السنة، ويسير أمور مدينة هي بمثابة أكبر المدن الأوربية بل وأكثرها تعددا سكانيا.
وقبل الخوض في دلالات فوز خان بمنصب عمدة لندن، وقبل محاولة إظهار الفوارق بين مجتمعات تؤمن بالتعددية الثقافية ومجتمعات لا تعرف سوى لغة التخوين، وقبل الحديث عن خصائص الديمقراطيات الراسخة والديمقراطيات الوليدة، وقبل إظهار الإيجابيات الغربية والسلبيات العربية، لا بد أن نعرض لأبرز محطات خان الحياتية، لنتعرف عما إذا كانت هذه النشأة ستسمح له يوما ما بالوصول إلى مثل هذا المنصب الرفيع إذا كان قد انتقل إلى أحد البلدان العربية وليس الأوربية أم لا.
فمن خلال تتبع حياة خان ستتعرف علي أنه أبن لأسرة مسلمة هاجرت من الهند إلى باكستان قبل أن يهاجروا إلي
بريطانيا، عمل والده سائقا لحافلة لمدة 25 عاما، واشتغلت أمه بالخياطة، فلم يولد لأبويين من خلفية اجتماعية عالية، لم يتوفر له الثراء الفاحش الذي يمكن أن يرسم له حياة أيسر وأفضل أكثر سعادة وأقل تعبا وإرهاقا، هذه الحياة البسيطة كنت سببا في تأثره بأفكار حزب العمال البريطاني الذي يناصر قضايا الفقراء ويدافع عن حقوق الكادحين، رشحه الحزب لخوض
انتخابات مجلس العموم عن تلك الدائرة التي كان يسكنها ونجح في الفوز بالمقعد في دورتين متتاليتين، إلى أن تم تعيينه كوزير للدولة لشؤون المجتمعات عام 2007، ثم وزيرا للنقل في آخر حكومة عمالية، إلى أن نجح في الفوز بمنصب عمدة لندن عقب تحقيقه انتصارا على منافسة الملياردير "جولد سميث" ممثل حزب المحافظين صاحب الأصول الانجليزية والذي خاض حملة شرسة ضد خان وصفه فيها بأنه غطاء للإرهابيين، ومن هنا تثار التساؤلات، كيف نجح ذو الأصول الباكستانية وأخفق أبن الإنجليز؟ كيف نجح من يدين بالإسلام في مجتمعات أغلبها يدينون بديانات غير الإسلامية؟
والإجابة تكمن في أن هذه المجتمعات تعيش في ديمقراطيات راسخة تؤمن بمبدأ المواطنة، تعتقد في التعددية الثقافية، تعلي من قيمة التسامح، تعرف معنى التعايش المجتمعي، تستنكر التمييز، تقدس الحقوق، تتسامي بالحريات، تعرف المساواة وتبتعد عن الإقصاء والأحادية، مجتمعات يمكن فيها لأبن سائق الحافلة أن يصبح عمدة للندن، فلو فتشنا عن كل ذلك لوجدنا مبررا واضحا لصعود من يدين بالإسلام في مجتمع تسود فيه الديانات غير الإسلامية.
هذا هو مجتمعهم ماذا عن مجتمعنا العربي؟ لا زال يُصنفك عما إذا كانت مسلما أم مسيحيا، سنيا أم شيعيا،لا زال مجتمعنا يُصدر لغة التخوين والتآمر لكل من يخالفه الرأي، لا زال يُتهم فيه بالعمالة الزائفة كل من يعترض على موقف أو سياسة غير رشيدة، لا زالت فيه المحسوبيات تسبق الكفاءات، وتبادل المنافع تتفوق على المؤهلات، والوساطة تستشري في كل مكان، مجتمعاتنا لا زال ابن العامل فيها لا يمكن له أن يصبح قاضيا، لا زال هناك من هو غير لائق اجتماعيا.
هذه الفوارق تظهر لك لماذا تتسع الفجوة بيننا وبينهم فمواكبة هذه المجتمعات والوصول إليها ليس بالمحال فقط يحتاج إلى ثقافة عربية يكون لديها القدرة على الاستجابة لمفاهيم المواطنة، واحترام الحقوق والحريات، ومناصرة قضايا الأقليات والإيمان الحق بمبادئ الديمقراطيات الراسخة، وكل ذلك يمكن أن يتحقق ومفتاح الوصول إليه هو إيماننا بإنسانيتنا وتخلينا عن لغة الصوت الواحد وابتعادنا عن الإقصاء والأحادية.