أخشى أن يطمس الهرج الإعلامي معالم أزمة الصحفيين المصريين، التي بدأت غضبة تحولت إلى وصمة وتهمة. إذ جوهر القصة أن اثنين من الصحفيين اعتصما داخل النقابة احتماء بها من ملاحقة الشرطة وقمعها، ظنا منهما أن للنقابة حرمة يمكن أن توفر الحماية لهما. لكن الذي حدث أن الشرطة حاصرت مقر النقابة واقتحمته وألقت القبض على الاثنين. ولأن الاقتحام حصل لأول مرة في تاريخ النقابة، فقد كان له وقع الصدمة على الجميع، فضلا عن أنه اعتبر إهانة للنقابة وصفعة لمجلسها المنتخب ونقيب الصحفيين بوجه أخص.
رد الفعل المباشر تمثل في دعوة الصحفيين للاجتماع في نقابتهم للتعبير عن الاحتجاج والغضب وحين تم ذلك وتوافد ألوف الصحفيين على النقابة، فإن المجلس المنتخب أصدر عدة قرارات لمواجهة الموقف، كان من بينها المطالبة بإقالة وزير الداخلية واعتذار الرئاسة للجماعة الصحفية عن العدوان الذي وقع على النقابة.
قرارات مجلس النقابة أزعجت السلطة وأغضبتها. وهي التي تعاملت مع النقابة على اعتبارها ساحة للتمرد، فحاصرتها وحشدت من حولها رجالها واحتياطى البلطجية الذي تستخدمه الداخلية لقمع وتأديب غير المرضي عنهم في مواجهة ذلك تحركت السلطة على ثلاثة محاور تمثلت فيما يلي:
1- تم ترتيب اجتماع لصحفيي «الموالاة» الذين استنكروا موقف مجلس النقابة ودعوا إلى سحب الثقة منه.
2- شنت بعض الأقلام والمنابر الموالية حملة لتشويه موقف المجلس الذي قيل إنه اختطف النقابة وعمد على تسييسها وأساء الأدب حين دعا إلى الإقالة وطالب بالاعتذار. وذهب البعض في التشويه إلى حد اعتبار ما جرى في اجتماع النقابة كان «مؤامرة» قيل في البداية أن الإخوان ضالعون فيها، ثم حين حدثت جرمية قتل رجال الشرطة الثمانية في حلوان، جرى الربط بين غضبة الصحفيين والحادث الإرهابي، واعتبر أحدهم أن ثمة خيطا يربط بين الاثنين.
3- جرى التشكيك في شرعية اجتماع الصحفيين والقرارات التي صدرت عنه، فقيل إن الحاضرين كانوا أقلية ولا يمثلون الجماعة الصحفية. كما قيل إن الصحفيين تعرضوا لخدعة لأن بعض القرارات التي أعلنت جرى دسها وإضافتها، في حين لم يكن متفقا عليها في اجتماع مجلس النقابة.
وسط ذلك الهرج تم تجاهل الموضوع الأساسي المتمثل في اقتحام النقابة وإلقاء القبض على الزميلين. كما نسي الجميع أن السجون المصرية أصبحت تحتجز أكبر عدد غير مسبوق من الصحفيين (29 من أعضاء النقابة و20 ألقي القبض عليهم أثناء ممارستهم للعمل الصحفي في حين لم يستكملوا أوراق العضوية).
إذا أعدنا قراءة السيناريو في ضوء هذه الخلفية تستوقفنا الملاحظات التالية:
• أن الذي دعا إلى اجتماع الصحفيين وأصدر القرارات التي أعلنت هو مجلس النقابة الذي انتخبته الجماعة الصحفية، ويعد السلطة الشرعية التي تمثل الصحفيين، والتي تشكلت من خلال الاقتراع الحر.
• أن الدولة العميقة أغضبتها قرارات المجلس خصوصا ما تعلق منها بالمطالبة بالإقالة والاعتذار الرئاسي، الأمر الذي اعتبرته تجاوزا للخطوط الحمراء ووقوعا في المحظور.
• التقط الخيط بعض الصحفيين الموالين فتنادوا إلى عقد اجتماع تبنته مؤسسة الأهرام التي تضم أكبر كتلة تصويتية بين الصحفيين. وفي الاجتماع جرى التنديد بالمجلس المنتخب وأطلقت الدعوة للانقلاب عليه من خلال سحب الثقة منه.
• كتب أحدهم أن عقد ذلك الاجتماع فرضته «الضرورة» وكان إشارة الانطلاق لتشويه المجلس من خلال التشكيك في الانتماءات السياسية لأعضائه وفي شرعية لقاء النقابة.
• تبنت بعض الأبواق الإعلامية مهنة تسويق حملة التشويه، ثم بدأ بعض الإعلاميين الترويج للادعاء بأن قرارات مجلس النقابة أثارت غضب الرأي العام وأن الأغلبية لا تؤيدها ليس في المحيط الصحفي فحسب ولكن في عموم الشارع المصري أيضا.
نتيجة كل ذلك أن جريمة الاقتحام نسيت وأن الذين غضبوا لكرامة النقابة أصبحوا متهمين بالتطاول على المقامات العليا واستحقوا الإدانة والعقاب. الأسوأ من ذلك أن المشهد سجل رسوبا في مادة الديمقراطية، لأن بعضنا لم يعجبه أداء السلطة الشرعية المنتخبة فقرر الانقلاب عليها ولم تطرح أي وسيلة ديمقراطية لمراجعة الأداء أو تصويبه من خلال المجلس المنتخب.