كتب جمال سلطان: من الواضح أن هناك ما هو أبعد من الخلاف السياسي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعارضيه، أو بالأصح بينه وبين الأجيال الجديدة من المصريين الباحثين عن حياة أفضل، بل يمكن القول إن هناك هوة كبيرة للغاية بين السيسي وبين الحالمين بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تصل إلى حد الاختلاف في فهم معنى الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو يتكلم عن معنى لا صلة له بالمعنى الذي يتحدث عنه ملايين المصريين الذين عاشوا أحلام الثورة.
فما تكرر صدوره من كلمات للسيسي في فهمه لحقوق الإنسان والديمقراطية وآخرها في لقائه مع الرئيس الفرنسي أولاند أمس، يكشف أن الخلاف "ثقافي" في جوهره، خلاف في الوعي، فالرئيس كرر أمس كلامه بأن معايير حقوق الإنسان في أوربا لا تصلح للإنسان في مصر، وشرح ذلك بقوله أن حقوق الإنسان كما يفهمها أن توفر الدولة للمواطن تعليما جيدا ورعاية صحية مناسبة وفرصا للعمل، وهذا الكلام كرره كثيرا طوال السنتين الماضيتين، خاصة عندما يدافع عن نظامه أمام ضغوط الغرب، وعندما نكون أمام هذا التصور لفكرة "حقوق الإنسان"، فإننا نصبح أمام أزمة ثقافية قبل أن تكون سياسية، نحن أمام خلاف حول أبجديات الفكرة وألف باء المسألة مع الأسف الشديد.
والحقيقة أن تصور الرئيس عبد الفتاح السيسي عن حقوق الإنسان لا يختلف عن تصور أي نظام شمولي سابق أو لاحق، ويؤسفني القول بأن هذه "الحقوق" كانت توفرها نظم سياسية قمعية وديكتاتورية شهيرة، واتفق العالم على أنها كانت الأسوأ على مدار التاريخ، مثل "ستالين" في الاتحاد السوفيتي، أو كيم إيل سونج وابنه في كوريا الشمالية أو حتى هتلر في التجربة الألمانية، بل إن ما لا يتوقف عنده السيسي كثيرا أن معظم ثورات الشعوب على مدار التاريخ كانت من أجل الحرية والكرامة الإنسانية؛ لأن هذا هو المبدأ الجامع لكل الحقوق بعد ذلك، من حياة كريمة وفرص عمل عادلة ونظام صحي جيد ونظام تعليمي، واللافت أن الدول التي كانت لا تعترف بالحريات العامة وحقوق الإنسان وكرامة المواطن الشخصية معتمدة على فكرة توفير العمل والرعاية الصحية والتعليم، هي الدول التي انهار فيها التعليم والرعاية الصحية وحتى فرص العمل، بينما الدول التي احترمت حقوق الإنسان والحريات العامة وتداول السلطة وحماية كرامة الإنسان هي التي تطورت فيها الرعاية الصحية ونظم التعليم وانفتحت فرص العمل على نطاق أوسع.
ولتقريب الفهم والإدراك لهذا الفارق، أدعو السيسي إلى مراجعة تجارب الشعوب التي انقسمت إلى دولتين أو أكثر، إحداهما شمولية وغير ديمقراطية ولا تحترم الحريات العامة وحقوق الإنسان وتداول السلطة وبين تلك التي تأسست على التعددية واحترام كرامة الإنسان وحقوقه كافة والحريات العامة، سيجد الفارق أوضح من الشمس في كبد السماء، مثلما هو الحال بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، وألمانيا الشرقية سابقا وألمانيا الغربية قبل الوحدة، فهؤلاء شعوب واحدة، بتاريخ واحد، وعرق واحد، ولكن النظام السياسي والإنساني هو الذي صنع الفارق، الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة بمفهومها الشامل هي التي فجرت طاقات الإنسان وهي التي صنعت الفارق المهول بين الجانبين.
يؤسفني القول بأن البحث عن أمل للديمقراطية أو حقوق للإنسان مع منظومة الحكم الحالية في مصر هو سراب لن يتحقق، فلا الرئيس مؤمن بأن الإنسان في مصر يتساوى مع الإنسان في أوربا، ولا هو مؤمن بأولوية الحريات العامة وحقوق الإنسان وكرامته والعدالة بكافة أبعادها، ولا هو مؤمن ـ أساسا ـ بأن الديمقراطية يمكن أن تستزرع في مصر قبل خمسة وعشرين عاما على الأقل حسب ما صرح هو نفسه قبل ذلك بوضوح كاف، والمرارة تزداد عندما تجد الرئيس -دون قصد- يؤكد المعنى نفسه الذي قالته والدة الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني" أمام برلمان بلادها في جلسة استماع "لقد عذبوه وقتلوه كما لو كان مصريا"، وهو ذات المعنى الذي أكد عليه الرئيس عندما قال أمام اولاند وأمام ميركل من قبله : إن مفاهيم حقوق الإنسان في أوربا لا تصلح هنا في مصر.
نحن أمام أزمة ثقافة ووعي قبل أن تكون أزمة سياسة، وكل حديثنا عن الإصلاح السياسي -مع الأسف- هو إهدار للوقت، لأن التصور والوعي متناقض تماما بين السلطة والجيل الجديد، السلطة في واد من التصور والوعي والأولويات والأجيال الجديدة الحالمة بمستقبل أفضل في واد آخر تماما، ولذلك سيظل مسار الانتهاكات واستباحة كرامة المواطن وسحق إرادته وتهميش فرص التعبير عن رأيه أو حتى أحلامه، سيظل هو المسار المهيمن على إدارة الدولة في كامل مؤسساتها وأجهزتها الآن ومستقبلا، ربما يخفف من غلوائه أحيانا بعض ضغوط الخارج المؤقتة، لكن المسار لن يتوقف وسيتفاقم، ما لم يحدث تغيير حقيقي وجذري في وعي وثقافة رأس السلطة بأولوية حقوق الإنسان والحريات العامة والقبول بالعددية والتداول السلمي الحقيقي للسلطة واستقلال سلطاتها القضائية والتشريعية، وأن تؤمن بأن ضمان هذه الحقوق وتعزيزها وحمايتها وتوسيعها هو مفجر طاقات التغيير والنهوض للأجيال الجديدة على مختلف الأصعدة .
عن "المصريون"
3
شارك
التعليقات (3)
عادل المصري
الثلاثاء، 19-04-201606:59 م
جمال سلطان كنت احترمك ايام ثورة يناير وأقرأ لك ولجريدتك ولكن ظهر لى انك بلا مبدأ وانك هاجمت اصحاب الحق والشرعية وخذلتهم واعنت الظالمين العسكر بدباباتهم عليهم وايدت الانقلاب والمصيبة انك كنت تسوق لنا انها ثورة
تقدر تقولى اخطاء مرسي فى حكم مدة سنة تحت ضغط المؤمرات من العسكر واذنابهم والاعلام القذر الموجه وانت منهم وكوارث السيسيي والعسكر الذي ساعدت فى احتلالهم واعادتهم لعرش مصر مرة اخرى
والان تأتي لتقول ان خلافنا من السيسيى ثقافى وليس سياسيي
عليك من الله ما تستحق
هل الخلاف مع المجرمين القتلة المغتصبين خلاف ثقافى
حقا صدق الله العظيم اذ قال
انها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي فى الصدور
ارجوا من جريدة عربي21 ان تنتقى وتختار الكتاب المحترمين ولا تأتي بكل من أيد وشارك فى دماء الابرياء
مصري
الثلاثاء، 19-04-201602:48 م
د/عمر, ليس دفاعا لكن
جمال سلطان واحد من الذين خدعهم الكذاب الأكبر و استغل حبهم لوطنهم للوصول الي السلطة
د/عمر
الثلاثاء، 19-04-201611:38 ص
جمال سلطان يؤسفنى القول انك احد الذين ساعدوا على اسقاط التجربة اليمقراطية الوليدة فى مصر.