كانت أبشع مجزرة بشرية خلال القرن العشرين، تلك التي شهدتها رواندا في تسعينيات ذلك القرن، فراح ضحيتها قرابة مليون شخص في غضون أشهر معدودة، وحدث ما حدث لأنه خلال حكم بلجيكا لتلك الدولة، كانت تخشى من القوة العددية لقبيلة الهوتو التي تشكل نحو 80% من سكان البلاد، فقامت بتدليل قبيلة التوتسي قليلة العدد، ووفرت للمنتمين إليها فرص التعليم والتجارة، وعند الاستقلال تسلم التوتسي زمام أمور السلطة والثروة، فكان من المحتم ان تثور الغالبية على الأقلية، فكانت الثورة الهمجية الهوجاء التي كادت أن تسفر عن إبادة "السادة" التوتسي إبادة كاملة.
ثم أنظر إلى أمريكا اللاتينية التي خضع معظمها للاستعمار الإسباني، والبعض المتبقي منها للاستعمار البرتغالي، ورغم أن سكان القارة الأصليين الذين تعرضوا لإبادة جماعية هم من نسميهم اليوم "الهنود" ورغم أنهم والسود الذين تم استجلابهم من أفريقيا كعبيد، يمثلون غالبية سكان القارة باستثناء الارجنتين وتشيلي، إلا أن الثروات ودواوين الحكم ظلت خاضعة للمنحدرين من أصول إسبانية وبرتغالية، بل إن دولة مثل بيرو حكمها رجل ياباني الأصل 100% (فوخيمورو، وطلع حرامي وهرب)، وتولى الرئاسة في الإكوادور رجلان من أصول لبنانية (احدهما كان يدعى بوكرم، ولما فاز بالرئاسة اكتشف أن الوعود سهلة بينما تنفيذها صعب ولما تدنت شعبيته صار يحمل الجيتار ويغني في الحدائق العامة، فقضى البرلمان بأنه معتوه وعزله من الحكم) كما أن اللبناني/ السوري كارلوس منعم تولى الحكم في الأرجنتين لولايتين.
وأحد أغنى أغنياء العالم، وأغنى رجل في أمريكا الجنوبية هو المكسيكي كارلوس سليم، الذي يسيطر على جميع مناحي النشاط الاقتصادي في المسكيك – ما عدا تجارة المخدرات – وبالتالي فالمكسيكيون يكرهونه أكثر من كرهي الذي لا أجد له تفسيرا للمثل المصري فاروق الفيشاوي.
ولأنه لابد من فجر مهما طال الليل، فقد انتبهت الأقليات في بعض دول أمريكا اللاتينية إلى عدم جواز احتكار مهاجرين شؤون الحكم والاقتصاد، فأوصل الفنزويليون هوغو شافيز الى الحكم بعد رفعه شعارات تسليم السلطة للفقراء من "أهل البلد"، وفعل نفس الشيء إيفو موراليس في بوليفيا وفاز بالرئاسة.
ورغم أن جميع دول غرب أفريقيا خضعت لقرون إما للحكم الفرنسي أو البريطاني، فإن شعوب تلك البلاد تشوف العمى ولا تشوف اللبنانيين، واللبناني ورث عن أجداده الفينقيين سادة البحار يوما ما، الشطارة في التجارة، ووصل بعضهم في أواخر القرن التاسع عشر، أوائل وأوسط القرن العشرين الى غرب أفريقيا، وبدأوا في ممارسة التجارة من الصفر: يشترون الدجاجة من الأفريقي – مثلا – بشلن واحد، ويبيعون له ريشها بشلن ونصف الشلن.
وما أن تم اكتشاف معادن ثمينة مثل الذهب والماس في غرب أفريقيا، حتى تمكن بضعة لبنانيين من وضع أيديهم على تلك المعادن، فأثروا وعاشوا مرفهين منعمين في قلاع محصنة، لا يخالطون شعوب المنطقة، بل بلغ النفوذ ببعضهم أنهم صاروا رؤساء ظل لهم كلمة نافذة في تصريف شؤون الحكم هنا وهناك، بينما يجلس على كرسي الحكم طراطير سود، ولما فكر الفقراء في الفوز بنصيب من كعكة ثروات بلدانهم حملوا الفؤوس والسكاكين والبنادق واستهدفوا اللبنانيين، ولما هجر اللبنانيون بلدانهم انقلبوا على بعضهم البعض في سيراليون وليبيريا فكانت مجازر توازي إلى حد كبير ما شهدته رواندا (افتح يوتيوب وانظر كيف تم إعدام الديكتاتور الليبيري صمويل داو بالتقسيط المريح: قطع الأنف ثم اللسان ثم الشفتين ثم... أكمل المشهد بالمشاهدة).
وقد توصل علماء السياسة والاجتماع والنفس إلى حقيقة أن الحسد قد يكون غريزة جماعية، فتجد مجتمعا معينا يكن كراهية شديدة لفئة هي جزء منه من الناحية العرقية أو السياسية، فقط لأن تلك الفئة تتمتع بامتيازات، والمثال الكلاسيكي لهذه الحالة هو ما شهدناه من تأييد من العديد من الأفراد والدول العربية للغزو العراقي للكويت.
وياما سمعنا كلاما مبتذلا بأن ثروة الكويت ينبغي أن تكون حقا مشاعا لجميع العرب، (وعندما كانت الكويت فقيرة في عصر ما قبل النفط لم يطالب عربي بأن يكون فقرها "مشاعا") وما زلت تسمع في كثير من الدول العربية كلاما يستكثر ويستخسر على أهل الخليج ما هم عليه من ثراء، وعبارات من شاكلة "كريم أعطى غشيم"، وهناك اعتقاد سائد في كثير من الأوساط العربية بأن الدول الخليجية التي لا يزيد تعداد سكانها مجتمعة على نحو 30 مليون لا تستأهل ثرواتها، ولا تعرف كيف تنفقها (ولا يتكلم هؤلاء كثيرا عن ان دولهم الفقيرة تتعرض لنهب ثرواتها القليلة من قبل أقلية فاسدة في نفسها مفسدة لغيرها).