بعد أقل من أربع وعشرين ساعة تنتهي الفترة الإنذارية التي سمح بها السيد مقتدى الصدر، واحد من عدد من رجال الدين الشيعة العراقيين، الذين امتهنوا العمل السياسي منذ سقوط نظام صدام حسبن. من أجل أن تقوم الحكومة العراقية بإصلاحات جذرية في الحكم والإدارة، قدم الإنذار في 12 فبراير (شباط) على أن تكون فترة السماح خمسة وأربعين يوما لا غير، تخللتها اعتصامات ومناورات وضغوط. الإصلاحات المطلوبة شبه مستحيلة؛ لأن القائمين على الحكم لا يهمهم أن يقوموا بها، كما أنهم غير قادرين على القيام بها.. هي مثل أن تطلب من اللص في الوقت نفسه أن يكون شرطيا! بمعنى أن هناك تناقض مصالح جذرية بين المطالب وبين الفاعلين السياسيين.
وبعد أسابيع من الحشد حول بوابات المنطقة الخضراء التي تحتضن الحكومة وكبار القادة العراقيين وبعض السفارات في بغداد، احتدم الصراع المميت بين الصدر ومجاميعه المختلفة المكونة من طيف غير متجانس سياسيا، وبين أقطاب الحكم في العراق، إلى حد أن السيد نوري المالكي، رئيس حزب الدعوة وربما هو أحد المستهدفين الرئيسيين، قال في تصريح ناري (الرجال بالرجال والسلاح بالسلاح) في دعوة تشبه دعوات المبارزة في العصور الوسطى الأوروبية، في المقابل فإن حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء والعضو في حزب الدعوة الحاكم، سحب جزءا من قواته القتالية المحاربة على الجبهة، من أجل أن يحمي بغداد والمنطقة الخضراء من الاجتياح المحتمل.
تصاعد التصريحات الحادة بين قيادات التحالف الوطني الحاكم، تشي بانشطار (البيت الشيعي الحاكم)، الذي تكون أصلا ليس من أجل أن يقدم للعراق الحلول الناجعة لمشكلات هذا البلد السياسية والأمنية والاقتصادية المزمنة، ولكن ليمنع مكونا آخر من الوصول إلى الحكم في ظل أطروحة غير عقلانية تقول (هم حكمونا لسنين وتَرَكُوا لنا اللطم، والآن نحكمهم ونتركهم يلطمون)! وهي توليفة تحمل السفه السياسي أكثر مِن أي شيء آخر.
العراق اليوم هو حائز كأس السباق الأممي في أسفل درجات (الفساد).. لا توجد دولة على وجه الأرض تحقق أعلى معدلات الفساد مثل العراق، حتى إنه فاق كل الدول الفاشلة، وهو أمر وصل إلى التشقق الذي نشهده الآن في المجموعة الحاكمة، إلا أن الشقاق يأخذ بعدا أيديولوجيا كما هي العادة في الشعوب المسكونة بالماضي، فحزب الدعوة الحاكم (يقلد) مذهبيا السيد محمود الشهراوردي، وهو مرجع شيعي، عندما تريد أن نستقصي خلفياته يظهر لك في سيرته الذاتية المنشورة على الإنترنت تحت خانة الجنسية أنه (عراقي/ إيراني)، وهو إعلان نادر في مثل الشخصيات الكبيرة، إلا أنه يحمل أيضا رسالة أن (العراق وإيران) تقريبا شيء واحد تحت حكم الائتلاف الحالي! وفي بعض المنشور يضيف السيد شهراوردي إلى اسمه (الهاشمي أو الحسيني) مرة أخرى في رسائل واضحة لمن يريد أن يفهم! وربما من القلائل الذين يفخر كونه عراقيا إيرانيا في الوقت نفسه، وقد اعتقل في العراق كعضو في حزب الدعوة في أثناء حكم صدام حسين، ثم انتقل إلى إيران وبعد الثورة الإيرانية صعد بسرعة في هيكلية الحكم الإيراني الثوري، ومن ضمن ما حصل عليه من مناصب في إيران أن أصبح رئيسا للسلطة القضائية، وأيضا عضوا في لجنة صيانة الدستور، وعضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام، من بين الكثير من المناصب الكبيرة التي خدم فيها كإيراني مخلص للثورة، ومعروف عنه أيضا عداؤه للمرجعية الشيعية في النجف، التي هي بقيادة السيد علي السيستاني وأيضا القريب من السيد الصدر نفسه. بعض المعلقين يرون في الصراع أنه تنافس بين ولاء مذهبي لقم وولاء مذهبي للنجف، يفسر الكثير من أحداث العراق القائمة.
في هذا الصراع يقدم الصدر شروطه المستحيلة للإصلاح السياسي، منها تغيير جذري في وزارة حيدر العبادي، وتشكيل وزارة تكنوقراط! وعدم تدخل الكتل السياسية في اختيار الوزراء، وتقديم المتورطين في حالات الفساد إلى المحاكمة، واستبدال كل رؤساء الهيئات والمؤسسات المستقلة (التي يهيمن عليها حزب الدعوة بشكل كامل) من بين شروط أخرى خاصة بالإعلام وهيئة الانتخابات، هذه الشروط تعني نسف حزب الدعوة من الحكم نهائيا، وجود الشهراوردي على رأس التقليد لحزب الدعوة وارتباطه بإيران ارتباطا عضويا، وإيمانه الكامل بطروحات (الولي الفقيه)، يجعل من الحزب الحاكم العراقي (الدعوة) حزءا لا يتجزأ من الحكم الإيراني، بالافتكاك من هيمنة هذا الحزب يمكن فك الارتباط المهيمن من إيران على العراق، ذلك ربما المسكوت عنه في الدعوة الإصلاحية الصدرية. وعند قراءة طروحات السيد الشهراوردي السياسية نجده يتحدث عن (وحدة الحوزة) وأي خلاف، كما يقول، في الحوزة، يعني (خيانة لها). تذكر هذه المقولات كثيرا بطروحات الأحزاب الفاشية، الحزب الواحد الأوحد، التي ظهرت في أكثر من مكان في عالمنا العربي بعد الحرب العالمية الثانية بأسماء مختلفة مثل (الحزب القائد) و(حزب الشعب)، ويكمل السيد الشهراوردي فيقول: «من كاد للحوزة فقد كاد للدين»! وبمحاولة النجف الاستقلال عما يراه السيد الشهراوردي (وحزب الدعوة)، فهي تقوم (بخيانة الحوزة) لذلك نجد أن الحوزة في النجف متعاطفة مع طروحات الصدر التصعيدية، كما يرى السيد الشهراوردي أن فكرة (تصدير الثورة) فكرة ممتازة، يجب أن يؤمن بها كل الأتباع، لأنها تحرر المستضعفين، كما يرى أن التحالفات التي شكلت تحت اسم (التحالف الدولي) في سوريا والعراق واليمن، هي ليست ضد الإرهاب، إنما هي ضد إيران و«حزب الله» والحشد الشعبي! فهناك (عدو مشترك) كما يقول هو سبب (الفتنة).
بتقليد رجل الدين هذا من قبل حزب الدعوة العراقي الحاكم، يستطيع المراقب أن يعرف أين هو قلب العراق السياسي اليوم، كما لا يعجب من تصريحات الحكومة العراقية ومواقفها في الشأن العربي أو العالمي؛ لأنها ترى أو الحزب الأكبر فيها (الدعوة) يرى أن الصراع ليس عراقيا - عراقيا، كما يرغب الصدر أن ينظر إليه، ولكنه اصطفاف إقليمي، على الصدر أن يتفهمه وأن ينضوي تحت مظلته، لأنه يعرض الصف الشيعي للاختراق! من هنا نجد أن (عصائب الحق) التي انشقت قبل فترة عن الصدر، تقف ضده، كما يقف الحشد الشعبي الذي أصلا عند تشكله في البداية كان بمباركة من السيد السيستاني!
السؤال الذي سوف تظهر إجابته سريعا بسبب انقضاء المهل الزمنية التي وضعها الصدر، هل يمكن تحقيق شروط الصدر الصعبة، وهل هو قادر أو راغب أن يأخذ الصراع إلى نهايته، والدخول في مواجهة مع النفوذ الإيراني في بغداد؟ أم إنه سوف يتراجع، كما فعل أكثر من مرة عند الوصول إلى نقطة الحقيقة؟ أيا كانت السيناريوهات المحتملة، فإن الصراع في العراق سوف يأخذ أشكالا مختلفة وليس من الهين التكهن في أي طريق سوف يسير، في ظل بلد ينهشه الفساد ويقارب على الإفلاس. وعجز في مُخيلة السياسيين الذين يسيرون وراء رجال الدين لا أمامهم!
آخر الكلام: عند اقتراب نهاية السباق يزيد المتسابقون من سرعتهم.. هذا ما يحدث حولنا الآن من سوريا والعراق وحتى ليبيا واليمن!
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية
1
شارك
التعليقات (1)
شو غبي
السبت، 26-03-201605:17 ص
يا حمار حزب الدعوه لايومن بولاية الفقيه، فكيف لهم ان يقلدوا شخص يؤمن بذالك؟