قضايا وآراء

وفد حماس في القاهرة.. فمن قتل بركات؟

قطب العربي
1300x600
1300x600
تمثل زيارة وفد حركة حماس إلى القاهرة واحدة من عجائب السياسة المصرية والعربية، كونها أتت بعد أسبوع واحد من توجيه وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار الاتهام رسميا للحركة بالمشاركة في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، وبعد أن روج النظام المصري عبر أذرعه السياسية والإعلامية والقضائية أن حركة حماس هي حركة إرهابية تفعل كل ما بوسعها لتدمير مصر وأمنها القومي!!!.

قبل الإسهاب في الحديث عن زيارة وفد حماس للقاهرة ومقابلته لمسؤولين أمنيين كبار في جهاز المخابرات العامة لابد من تسجيل الرفض والاعتراض من حيث المبدأ على هذه الزيارة لنظام قتل شعبه ويفتقد لأدنى شرعية، ولا يخفي صداقته للكيان الصهيوني التي تفوق فيها عن سلفه نظام مبارك، والتي وصلت إلى حد وصف السيسي لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو بأنه مؤهل لقيادة المنطقة كلها وليس كيانه فقط.

حين علا صوت وزير الداخلية باتهام حماس في مؤتمره الصحفي يوم 6 مارس الماضي بالمشاركة في قتل النائب العام، فقد دفع ذلك أبواق النظام الإعلامية والحزبية للمطالبة بالانتقام من قطاع غزة وضرب القطاع، وعدم فتح المعبر تماما حتى يموت الفلسطينيون خنقا في أرضهم، وكانت هناك توقعات كبيرة بأن يرتكب النظام المصري مثل هذه الحماقات فعلا بهدف تصريف جانب من الغضب الشعبي الداخلي ضده إلى عدو خارجي، لكن من الواضح أن النظام المصري ليس شيئا واحدا، فهو أقرب لدولة ملوك الطوائف، وكل جهاز في مصر يعمل بطريقته الخاصة ووفق أجندة خاصة تتفق أحيانا وتختلف في أغلب الأحيان مع أجندات أجهزة أخرى داخل الدولة، وربما تقف أجهزة بعينها خلف بعض العمليات نكاية في أجهزة أخرى أو لإثبات فشلها، وبالتالي سحب سلطاتها واختصاصاتها، وقد تكون عملية قتل النائب العام أحد النماذج لذلك وربما كان القاسم المشترك الوحيد بين تلك الأجهزة جميعا هو الاتفاق على الوقوف ظاهريا خلف السيسي باعتباره صمام الأمان لها ولبقائها، التعامل مع حماس بطرق متنوعة يأتي في هذا السياق، فبينما تحرص الداخلية دوما على تكرار اتهاماتها للحركة بالكثير من العمليات المسلحة في مصر، فإن جهاز المخابرات العامة لا يزال يحتفظ بخيوط تواصل مع الحركة.

لا أدري كيف استقبل "مؤيدو" السيسي خبر قدوم وفد رفيع من حماس إلى القاهرة ولقائه مع قمة الجهاز الأمني القومي"المخابرات العامة"؟ شخصيا لو كنت ضمنهم فلربما أصبت بجلطة دماغية أردتني قتيلا على الفور، إذ كيف لهؤلاء أن يتفاعلوا مع إعلان وزارة الداخلية أن حركة حماس حركة إرهابية تستهدف تدمير مصر وأمنها وشعبها، واتهامها رسميا بقتل النائب العام، ثم بعد ذلك يجد هؤلاء "السيساوية" قيادات حماس "يتمخطرون" على أرض مصر في حماية  مجدي عبد الغفار، والذي يفترض به أن يقبض على هؤلاء القادة باعتبارهم المحرضين على كل الجرائم بحق مصر، ويقدمهم لـ"الشامخ" الذي صنفهم فعلا كحركة إرهابية، والذي ينظر بعض قضايا التخابر مع الحركة، وقضايا اقتحامها لسجن وادي النطرون وإخراج السجناء منه يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011، الخ!!.

رغم اعتراضي المبدئي على الزيارة إلا أن المؤكد أن مجرد حدوثها بعد كل هذا الكم الثقيل من الاتهامات هو انتصار للحركة، وإسقاط مباشر لتلك الاتهامات بـ"جرة قدم"، فاستقبال المسئولين الرسميين لقادة حماس هو اعتراف ضمني منهم بقوة الحركة وسلامة سياساتها تجاه مصر، ولكن هذا الاستقبال أيضا قد يصيب "مهابيل" السيسي بسكتة دماغية، لأنهم وطنوا أنفسهم على كراهية حماس والاستعداد لقتالها ولو إلى جانب العدو الصهيوني، كما أن هذه الزيارة ستفقد الكثيرين الثقة في نظام السيسي الذي يقول الشيء ويفعل عكسه.

لنبحث الآن في أسباب وحيثيات الزيارة ونتائجها المتوقعة من كل طرف، مبلغ علمي أن اتصالات جرت بين قادة حماس وجهاز المخابرات المصرية خلال الفترة الماضية عقب تزايد العداء للحركة في القاهرة وتحميلها بعض الخطايا السياسية، وقد رحبت المخابرات باستقبال وفد من حماس لإعادة المياه إلى مجاريها، وحين وجه وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار الاتهام لحماس بالمسؤولية عن اغتيال النائب العام هشام بركات، تجددت الاتصالات لمعرفة الموقف النهائي من الزيارة فكان الرد بتأكيد الترحيب بها وعدم الاعتداد بما قاله عبد الغفار.

كان الملف الفلسطيني و لايزال ملفا خاصا بالمخابرات العامة في مصر وليس وزارة الداخلية، ولذلك فمن المستغرب أن يكيل وزير الداخلية الاتهامات لحماس بالمس بالأمن القومي المصري وهو ما يدخل في نطاق عمل المخابرات، ومرة أخرى فإن ما يفسر ذلك هو تنازع الأجهزة ومراكز القوى داخل نظام السيسي، وإذا كان لدى قادة حماس ما يرون أهمية نقاشه مع الجانب المصري لتخفيف الحصار المفروض على القطاع الذي يديرونه، فما الذي يدفع جهاز المخابرات في وسط هذه الأجواء المشحونة بالعداء لحركة حماس للحرص على لقاء قادتها في قلب القاهرة؟ وهي الحركة التي لم تخف يوما أنها فرع من فروع جماعة الإخوان المسلمين العدو الأول لنظام السيسي؟.

هناك تطوران مهمان دفعا السلطات المصرية للمسارعة بالترحيب بوفد حماس أولهما المباحثات التي جرت بين قيادتي حماس وفتح بقيادة خالد مشعل وعزام الأحمد في الدوحة في الثامن والتاسع من فبراير الماضي  لإتمام ملف المصالحة وهو ما يعني أن الملف سينتقل من اليد المصرية إلى اليد القطرية، ولا تريد مصر أن يفلت منها هذا الملف خصوصا لقطر، حتى لو لم تكن جادة في حسم الخلافات بين فتح وحماس حتى يظل الملف مفتوحا، ويحضرني في هذا السياق ما كشفته إحدى الوثائق السرية الأمريكية التي نشرها موقع "ويكيليكس" وبعثتها السفارة الأمريكية بالدوحة بتاريخ 24 فبراير 2010 إلى الخارجية الأمريكية، والتي تضمنت تفاصيل لقاء عقد بين حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق والسيناتور جون كيري، حيث قال بن جاسم خلال اللقاء، إن مصر لها مصلحة في استمرار محادثات المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح لأطول فترة ممكنة، وأنها ليست لديها نهاية للعبة، فهي لا تسعى من وراء العمل كوسيط في المحادثات سوى لتحقيق مصلحة تجارية مع الولايات المتحدة، و أن "مصر تبدو مثل طبيب لديه مريض واحد"، وإذا كان هذا هو العمل الوحيد "فسيسعى الطبيب لإبقاء المريض على قيد الحياة ولكن فى المستشفى لأطول فترة ممكنة.

التطور المهم الثاني الذي مهد لهذه الزيارة هو تسرب أنباء عن مباحثات تركية إسرائيلية لإقامة ميناء بحري في غزة وفك الحصار عن القطاع، كشرط لإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد حادثة اعتداء البحرية الإسرائيلية على قافلة "أسطول الحرية" وقتل تسعة متضامنين أتراك كانوا على متنها عام 2010، وفي حال نجاح هذه الجهود التركية فإن ذلك  سيكسر الحصار المفروض على غزة والذي تشارك فيه السلطة المصرية عبر إغلاق معبر رفح بشكل شبه دائم، ولذا كانت المسارعة باستقبال الوفد الحمساوي.

لا نستطيع التكهن الآن بالنتائج المرجوة من اللقاء، لكن كما قلت سلفا فإن مجرد حدوث الزيارة أسقط جبلا من الاتهامات، ومن المفترض أن  تسقط المحاكم المصرية كل القضايا المنظورة أمامها والتي تعد حماس طرفا فيها، وتفرج فورا عن كل المتهمين فيها.
1
التعليقات (1)
محمد
الإثنين، 14-03-2016 05:59 م
وفد من حماس بالقاهرة للقاء المخابرات المصريه بلاغ لوزير الداخليه فيه وفد من قاده منظمه حماس (الإرهابيه) الجناح العسكرى لجماعه الإخوان (الإرهابيه) اللى أنت طلعت قلت أنهم اللى قتلو النائب العام تسللو عبر الحدود تانى وهما موجودين الأن فى مبنى المخابرات العامه بالقاهره نايمين شاربين واكلين لو راجل...................لو روح امسكهم