شهدنا في الفترة الأخيرة خلافات سادت الساحة بين الثوار المناضلين بالخارج سمعنا بها هنا في مصر، ولم نفهم لها معنى ولا مفهوما واضحا ولا مبررا قويا يخدم قضيتنا ويحرر أرضنا.
وقبل أن أبدأ حديثي، فلا بد أن أوضح وأؤكد احترامي الفائق وتقديري الشديد للدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية الشرعي المنتخب الذي مارس سلطاته بكل الإخلاص والسماحة، ولم يدع للحقد أن يتسرب إلى قلبه حتى لو أساء إليه البعض، فلم يقصف قلما ولم يعتقل معارضا.
ولكن على الجانب ينبغي إذا أردنا إصلاح المسيرة، فلا بد أن نقر بأن غالبية النخب والقيادات وقعت في أخطاء كبيرة، وتسببت في خذلان إرادة الشعب، ولعلي أرجع ذلك إلى حرمان النخب وشباب الثورة من مهارات الممارسة السياسية منذ أكثرمن ستين عاما، فقد استخدمنا المشاعر الشخصية كالحب والكراهية كآليات سياسية، ولجأنا إلى الحقد والكيد في إدارة سياستنا الداخلية والخارجية، دون أن نترك الباب مفتوحا لأي تسويات سياسية.
ولكن كل الفصائل السياسية تجمع على هدف واحد تتعاون في تحقيقه، ولعل أهم أسباب استشرافنا لضعف الحجة لدى مروجي الخلافات، أن غالبية كبرى من الفصائل السياسية بالفعل نتفق على هدف واحد وضعه لنا شعبنا الأبي في خمسة استحقاقات دستورية، هو استعادة الشرعية ورفض الدكتاتورية.
كل الأحرار والمناضلين الشرفاء يتفقون على الهدف والمسار، فأين الخلاف إذن؟
في تفسير العبد الضعيف أن هذه الضجة والفرقة غير المبررة أن المناضلين يتصنفون بين شقين، الأول هو رجال المبادئ وقدسيتها الذين يتشبثون بها ولا يحيدون عنها؛ لأنها في واقعها ثابتة وقوية وراسخة. أما الشق الثاني، فهو يؤمن بالمبادئ ذاتها ويرمي إلى تحقيق الهدف الذي أجمعنا عليه، وهو دحر الانقلاب وترسيخ الشرعية في إطار تسويات سياسية، تتبناها وتتوافق عليها كل الفصائل السياسية التي تؤمن بها، وتشارك في النضال من أجل تحقيقها رغم اختلاف توجهاتها.
ومن هنا، نجد أن رجل المبادئ يفتقد مرونة الحركة ويصمم على استعادة الأوضاع قبل 3 يوليو، كما كانت دون تغيير أو نقصان، وبذلك يوصد كل الأبواب أمام أي تسويات سياسية حتى لو سقط الانقلاب لسبب أو لآخر.
وقد ذكرتني قصيدة شاعرنا المبدع أحمد شوقي بقصيدته التي استعرت عنوانها في هذا المقال، والتي تصف حالة الفرقة والخلاف رغم بقاء الاحتلال البريطاني فيقول:
وَهَذي الضَجَّةُ الكُبري عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ
وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما
وَكانَت مِصرُ أَوَّلَ مَن أَصَبتُم
فَلَم تُحصِ الجِراحَ وَلا الكِلام
وَأَينَ الفَوزُ لا مِصرُ اِستَقَرَّت
عَلى حالٍ وَلا السودان داما
وَأَنظُرُ جَيشَهُم مِن نِصفِ قَرنٍ
عَلى أَبصارِنا ضَرَبَ الخِياما
فَلا أُمَناؤُنا نَقَصوهُ رُمحاً
وَلا خُوّانُنا زادوا حُساما
وَلينا الأَمرَ حِزباً بَعدَ حِزبٍ
فَلَم نَكُ مُصلِحينَ وَلا كِراما
جَعَلنا الحُكمَ تَولِيَةً وَعَزلاً
وَلَم نَعدُ الجَزاءَ وَالاِنتِقاما
شَهيدَ الحَقِّ قُم تَرَهُ يَتيماً
بِأَرضٍ ضُيِّعَت فيها اليَتامى
وأخلص من هذا العرض الموجز، بالدعوة إلى اصطفاف كل القوي الوطنية التي بدأناها في القاهرة، والتي تبناها الدكتور المناضل سيف عبد الفتاح وشاعرنا المبدع عبد الرحمن يوسف والعبد الضعيف في "بيان القاهرة".
وقد سمعنا وقرأنا عن تفسيرات كثيرة تشوه معنى وهدف الاصطفاف، ولكنها تصادر على المطلوب وتشوه المعنى وتضعف من محاولات التحرير.
أيها المصريون، بل أيها العرب، اصطفوا واتحدوا علي قلب رجل واحد، فقد اتفق الشرق والغرب على تفتيتنا وطمس هويتنا وثقافتنا العربية والدينية.