المتأمل في ما ينشر من حوارات ونقاشات ومقالات من داخل الصف الإخواني، سيجد خلافا في الطرح، يكثر ويقل أحيانا، ويظهر للإعلام، أو يظل داخل الكيان، كل هذا لا يقلق ولا يضر، ما دام يسير في اتجاه اختلاف العقول لا القلوب، اختلاف التنوع لا التضاد، الاختلاف الذي ينتج عملا، وينشئ مسارا يُخرج الجميع من النفق المظلم. وربما نظر البعض لهذا النقاش نظرة سلبية فقط، غير راء لما يحمله من إيجابيات عديدة، لو أحسن الجميع إدارته، والاستفادة منه، من حيث المنطلق، والسياج الذي يحيط بالنقاش، والأهداف المبتغاة منه. ولو أردنا الوقوف على بعض هذه الإيجابيات في هذا الخلاف والنقاش فكما يلي:
أولا: أنه أعطى صورة مغايرة تماما لما كان يشاع عن الإخوان، من أنهم كيان مغلق مصمت، لا يعرف عنه أحد شيئا، وأن التنظيم تحكمه طقوس السمع والطاعة العمياء، وأنهم كما أطلق عليهم الإعلام (خرفان)، فتبين له أن الخرفان الحقيقيون هم من مشوا وهللوا وراء العسكر، وأيدوا انقلابا فاشيا، لا يجرؤ أحدهم على أن يتكلم بكلمة واحدة يعارضه فيها.
حتى باتت الآن تيارات أخرى تقارن بين هذا النقاش الكبير الدائر في الإخوان، بين الشباب والشيوخ، بين الكبار والصغار، صادما إياهم في رؤيتهم القديمة عن الإخوان التي أعطاها لهم إعلام العسكر والفلول، وقد جمعني حوار منذ أيام، مع ليبراليين عقلاء، ممن لا يتخذون موقفا سلبيا من الإخوان، ودار نقاش حول ما أكتبه ويكتبه الإخوان من مقالات ورؤى، فإذا بهم يذكرون أنهم لم يكن أحدهم يتخيل أن يجد في الإخوان هذا الحوار والنقاش بكل مستوياته، حتى من يتجاوز فيه مع قياداته، من حيث هذه الجرأة في الخلاف وطرح ما لدى كل طرف، وأن هذا نادر الحدوث في كيانات أخرى مدنية ترفع شعار الحرية والحوار، إلا أن أحدهم استدرك فقال: لكن حدث مرة أن قام شباب وعارضوا البرادعي معارضة شديدة، لكن ظل ما يذكر عن الإخوان الأعلى في المقياس من حيث تنوع الآراء، أيا كان نوع هذا النقاش، ومهما بدا حادا في بعضه من البعض.
ثانيا: نتج عن هذه النقاشات، ثقافة ووعي، بدأ يزداد ويترسخ مع الأيام، وهي ثقافة من أين أتيت بكلامك؟ وما الدليل عليه؟ لم يعد الآن بوسع أحد أن يلقي كلاما، معتمدا على الثقة المطلقة، ولا أن يلقي الكلام على عواهنه، فأصبح هناك يقظة عند الكثير من حيث المصادر، ومن حيث التلقي والتحليل، وهو ما لم يكن من قبل بنفس هذه الدرجة.
ثالثا: نقاشات الإخوان مهما احتدت، تظل علامة صحة، وليست علامة مرض، وهي تمثل حالة ثراء فكري، على الجماعة أن تحافظ على استمرارها، في ظل جو صحي للنقاش الداخلي والخارجي، وألا يعتبر البعض هذا النقاش خروجا عن آداب الجماعة وأعرافها، فما يكتبه الإخوان قيادات وشباب، يدل على أن الجماعة تمتلك طاقات وقدرات كبيرة وهائلة، يجب ألا تهدر أو تهمل، وأن تراعى في كل ما يخطط له، أو ينفذ في الجماعة. فالمهم هنا الاستفادة من هذه الطاقة من الكتابات، حتى لو كان ما يكتبه هؤلاء لا يعجبنا، أو يغضبنا، أو يغضب البعض، فليست الحكمة في أن تقف لتمنع الماء الهادر المتدفق، فإما أن تشتته، وإما أن يكسرك، بينما الحكمة تقتضي أن تصنع له جداول تفيد منه، وتفيدك كذلك.
والنموذج القريب في سنواتنا الماضية، نموذج قناة الجزيرة، والتي بدأت بالبث المباشر لبرامجها، وكانت المكالمات تنهال عليها من مشاركات الجمهور، بين مدح وذم، وصل في بعض الأحيان إلى السب في قطر دولة وحكومة، فتعاملت القناة مع الجمهور بحكمة شديدة، ولم تمر شهور قليلة، حتى تحول هذا الجمهور إلى وعي شديد، وأصبح جمهور القناة رصيدا هائلا لها، ورافدا مهما في تطويرها، وخصصت له برامج يطرح أفكاره التي تطورت القناة بفضل نقده واقتراحاته.
ولذا فالجماعة والإسلاميون كذلك بحاجة إلى فتح نوافذ النقد، والصف الإخواني بحاجة لدراسة تجربة الإخوان النقدية، ليعلم الجميع أنها كانت منهجا مؤصلا في الجماعة، وليس أمرا دخيلا عليها كما يفهم البعض، ولعل مقالاتنا القادمة إن شاء الله نؤصل فيها ونرصد تجربة الإخوان والإسلاميين النقدية، بنماذج واضحة، ووثائق ثابتة، وهي تجربة نفاخر بها، وعلينا أن نعيدها كما كانت لا أن نلغيها!
للتواصل مع الكاتب: [email protected]