حقوق وحريات

منظمات حقوقية: مصر تستغل اغتيال النائب العام "سياسيا"

السلطات المصرية تلجأ كثيرا للإخفاء القسري للمعارضين- أرشيفية
السلطات المصرية تلجأ كثيرا للإخفاء القسري للمعارضين- أرشيفية
قالت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان"، إن السلطات المصرية "ماضية في انتهاك حقوق الإنسان الأساسية تحت مبرر مكافحة الإرهاب، لقمع المعارضين وشيطنة أطراف أخرى عبر الحدود". 

وأكدت المنظمة، ومقرها بريطانيا، في بيان، وصل "عربي21" نسخة منه، أن "النظام المصري لم يعد يكلف نفسه عناء صياغة روايات منطقية تبرر قمع معارضيه والزج بهم في السجون تمهيدا لإصدار أحكام قاسية بحقهم تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد".

وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن مصر تستغل قضية اغتيال النائب العام، وتستخدم "رواية سياسية"، من خلال توجيه اتهام باغتيال النائب العام إلى مجموعة من المعارضين، رغم توجيه ذات التهمة إلى متهمين آخرين في وقت سابق، بحسب تعبيرها.

وكان وزير الداخلية المصري أعلن في مؤتمر صحفي عقده صباح الأحد 6 آذار/ مارس الجاري، بمقر الأمن الوطني بمدينة نصر بالقاهرة، عن تمكن الأجهزة الأمنية بالوزارة من إلقاء القبض على المتورطين في حادث مقتل النائب العام المصري المستشار هشام بركات في حزيران/ يونيو 2015، حيث عرض مقطعا مصورا لبعض المتهمين زعم أنهم أدلوا باعترافاتهم بعد إلقاء القبض عليهم مباشرة.
 
وعرض المقطع المصور اعترافات لكل من: محمود الأحمدي عبد الرحمن علي (مواليد 15 تموز/ يوليو 1994)، وأبو القاسم علي يوسف منصور (مواليد 18 أيار/ مايو 1992)، وأحمد جمال أحمد محمود حجازي (مواليد 3 تشرين الأول/ أكتوبر 1993)، ومحمد أحمد سيد إبراهيم (مواليد 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989).

 وتحدث أحد المتهمين عن شخص آخر يدعى إبراهيم الشلقامي، دون أن تفصح الداخلية عن مصيره. 

وأكد الوزير في المؤتمر الصحفي أنه لا توجد في مصر حالة واحدة للاختفاء القسري، موضحا أن جميع من في السجون المصرية، إما محبوسون بقرارات صادرة من النيابة العامة بالحبس الاحتياطي أو لتنفيذ أحكام قضائية.

"اعترافات مملاة" 

وأشار بيان المنظمة إلى أن "مشاهد اعتراف المتهمين بدا واضحا فيها أنهم يدلون باعترافات مملاة، دون أن يقدم الوزير دليلا ماديا واحدا، كما هو الحال في كافة الاتهامات التي توجه للمعارضين والتي تخلو من أي دليل سوى الاعترافات تحت وطأة التعذيب، أو بالبناء على تحريات سرية من جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية". 

وكانت وزارة الداخلية قد وجهت تهمة اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، رسميا قبل ذلك وفق بيانات رسمية، إلى آخرين في ثلاث وقائع مختلفة، حيث إنها أعلنت في بيان رسمي بتاريخ 2 تموز/ يوليو 2015 عن قيامها بتصفية تسعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بإحدى الشقق السكنية بمدينة السادس من أكتوبر بالجيزة أثناء محاولة إلقاء القبض عليهم،على خلفية اتهامهم باغتيال النائب العام، وأعلنت في التاريخ ذاته عن تورط أحد ضباط الجيش السابقين ويدعى هشام علي عشماوي إبراهيم في تلك الحادثة.

وبتاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، صرح اللواء كمال الدالي، مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن العام آنذاك في مؤتمر صحفي، بأن الأجهزة الأمنية لم تتمكن من تحديد هوية منفذي عملية مقتل النائب العام بعد، ثم أعلنت وزارة الداخلية مجددا في الثالث من شباط/ فبراير الماضي عن تمكنها من تصفية المتورطين في مقتل النائب العام هشام بركات، وهما محمد عباس حسين جاد (32 عاما) ومحمد أحمد عبد العزيز عبد الكريم (24 عاما)، وذلك بعد اشتباك مسلح دار بينهم وبين القوات الأمنية في إحدى الشقق السكنية بالمعادي، قبل أن تعيد نسبة التهمة ذاتها خلال المؤتمر المذكور لمتهمين جدد.

اختفاء قسري

وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، قد تلقت شكاوى من أسر بعض المتهمين في تلك القضية نهاية شهر شباط/ فبراير 2016، تفيد بتعريضهم للاختفاء القسري، حيث ألقي القبض على أحمد جمال أحمد حجازي بتاريخ 22 شباط/ فبراير 2016، بالقرب من محل دراسته بمعهد التحاليل الطبية من كلية العلوم في جامعة الأزهر بالقاهرة، بينما ألقي القبض على محمود الأحمدي عبد الرحمن علي بتاريخ 29 شباط/ فبراير 2016 بالقرب من محل إقامته بمدينة نصر، وتم اعتقال علي أبو القاسم علي يوسف منصور من داخل وسيلة مواصلات بمدينة نصر في التاريخ ذاته.
 
بالإضافة إلى تعرض الطالب إبراهيم أحمد إبراهيم شلقامي، من مواليد 13 أيلول/ سبتمبر 1993، للاختفاء القسري منذ 22 شباط/ فبراير الماضي وحتى الآن، حيث تم ذكر اسمه في الاعترافات المسجلة، إلا أنه لم يظهر في المقطع المصور المذكور ولم يتضح مصيره حتى الآن.

وأوضحت المنظمة أن أسر الطلاب المذكورين قامت بإرسال العديد من الشكاوى والتلغرافات إلى النائب العام ووزارة الداخلية بعد اعتقالهم مباشرة، كما أن المنظمة قامت بمخاطبة وزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، عبر البريد الإلكتروني الرسمي، إلا أن أيا من هذه الجهات لم يبد ردا.

وأضافت الأسر للمنظمة أنهم لم يتمكنوا من مقابلة المعتقلين، حتى بعد ظهورهم في بيان وزارة الداخلية، حيث إن مقر احتجازهم لا يزال مجهولا، مع استمرار رفض الأمن المصري الإدلاء بأي معلومات حوله وامتناع النيابة العامة عن إعطاء المحامين أي معلومة عن موقفهم القانوني، أو تمكينهم من مقابلتهم بحسب القانون.
 
وأشارت المنظمة إلى أنه منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013، فقد تفشى في مصر وباء التعذيب وتعريض الأشخاص للاختفاء القسري بغرض الضغط عليهم للاعتراف باتهامات ملفقة، ولم تفتح النيابة العامة المصرية أية تحقيقات في مئات البلاغات التي تقدم بها ذوو الضحايا لإجلاء مصير ذويهم والتحقيق في ما تعرضوا له من انتهاكات، ولا يمكن أن ينفي هذا الواقع المشين تصريحات وزير الداخلية المصري المسؤول أصلا عن ارتكاب تلك الجرائم.

وأكد بيان المنظمة أن "نشر مقاطع مصورة لمتهمين أثناء اعترافهم بارتكاب جرائم خطرة هو انتهاك جسيم لحقوق المتهمين القانونية، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، كما أن إدانتهم بهذه الصورة يعد استباقا للتحقيقات، لا سيما وأن المتهمين لم يكونوا قد تم عرضهم على النيابة، ولا يجب أن يعتد بهذه الاعترافات من قبل الجهات المعنية، ففضلاً عن أنها كانت تحت التهديد وفقا لما هو واضح بالفيديو، فإنه لا يجوز الأخذ بأية تحقيقات لم تجر أمام النيابة العامة وفقا للقانون المصري والدولي". 

واعتبرت المنظمة أنه "لا يمكن الوثوق مطلقا بالروايات التي تقدمها السلطات المصرية، فقد ثبت من قضايا مختلفة أن هذه السلطات لفقت تهما لأبرياء وحكمت على أموات وأطفال ومعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي"، داعية أمين عام الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تحقيق في حادث اغتيال النائب العام المصري لإجلاء الحقيقة وتقديم المسؤولين عن هذه الجريمة للمحاسبة.

شكاوى رسمية

وفي سياق متصل، كشفت "مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان – JHR" (جهة حقوقية مستقلة) عن أنها بصدد إعداد شكاوى رسمية إلى الجهات المعنية (داخليا وخارجيا)، ضد وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار (بشخصه وصفته)، نتيجة لما وصفته بانتهاكه القوانين والقرارات المُتبعة في قضية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، محملة إياه (وزير الداخلية) المسئولية الكاملة (السياسية والجنائية والمدنية) عن هذه الإجراءات.

وقالت المنظمة في بيان لها الاثنين- إنها تابعت المؤتمر الصحفي الذي عقده "عبد الغفار" الأحد، بخصوص وقائع القبض على الخلية المسئولة عن اغتيال هشام بركات – حسب الادعاء –، مشيرة إلى تسجيلها لعدة ملاحظات قانونية وحقوقية، أُثيرت في هذا المؤتمر.

وأشارت مؤسسة عدالة إلى أن وزير الداخلية قام بمخالفة قرار القائم بأعمال النائب العام المستشار علي عمران، والخاص بحظر النشر في قضية اغتيال هشام بركات، حيث أنه عقد مؤتمرا صحفيا لشرح ملابسات الواقعة من وجهة نظر وزارة الداخلية.

وأوضحت أن ما أعلنه وزير الداخلية، بالقبض على مُرتكبي جريمة اغتيال النائب العام، يُعد الرواية الخامسة للوزارة عن مُرتكبي هذه الجريمة؛ فقد سبق في رواية أولى تم الإعلان عنها في أوائل تموز / يوليو 2015م، عن القبض على محمود العدوي، كونه مرتكب هذه الجريمة، ثم تلاها في رواية ثانية الإعلان بالقبض على هشام علي عشماوي (مقدم بالجيش)، كونه مرتكب هذه الجريمة، ثم تلاها – في رواية ثالثة – الإعلان عن تصفية تسعة أشخاص بشقة بالسادس من أكتوبر، لتورطهم في ذات الجريمة، تلاها – في رواية رابعة – في يوم 3/2/2016م، بتصفية ثلاثة أشخاص في منطقة حدائق المعادي متورطين في ذات الجريمة.

واستطردت قائلة :" هذه روايات مُتضاربة لا تضعنا أمام الصورة الحقيقية الكاملة لهذا الأمر، وتدفعنا للجزم بكيدية الاتهامات وتلفيقها لهؤلاء الشباب، وخصوصا أن ذويهم أرسلوا تلغرافات باختفائهم قسريا قبل عدة أيام من تاريخ المؤتمر الصحفي، وهو ما يُزيد الشكوك في رواية وزارة الداخلية".

وكان وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار، اتهم حركة حماس الفلسطينية بالتورط في اغتيال هشام بركات الذي قتل في اعتداء بسيارة مفخخة في 29 حزيران/ يونيو 2015، فيما نفت حركة حماس ضلوع أعضائها في الاغتيال.

وقال إن "مخطط" اغتيال بركات "صدر به توجيه من القيادات الإخوانية الإرهابية الهاربة بتركيا، وبالتنسيق مع الأذرع الأخرى المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين في غزة، وهي حركة حماس التي اضطلعت بدور كبير في تنفيذ هذا المخطط وتنفيذ اغتيال النائب العام وأشرفت على العملية منذ بدايتها حتى انتهاء تنفيذها".

وذكر "عبد الغفار" أن عناصر من حركة حماس قامت "بتدريب العناصر المكلفة بارتكاب العملية (اغتيال النائب العام) بعد أن تم تهريبهم بإشراف مجموعة من البدو من سيناء إلى قطاع غزة ثم عادوا إلى البلاد مرة أخرى".
التعليقات (0)