لم يتعرض شعب من الشعوب في التاريخ المعاصر لحملة إرهاب دولي وإقليمي جماعية ومركزة ومنسقة وفق ترتيبات وسيناريوهات خبيثة وتقودها عواصم كبرى، أكثر من الشعب السوري، الذي يخوض المواجهة الصعبة على مستويات مختلفة! فهذا الشعب الذي أكملت ثورته الشعبية الكبرى عامها الخامس، مورست عليه حرب إبادة شاملة، وتكسيح حقيقي على مختلف المستويات، وتعرض ويتعرض يوميا منذ آلاف الأيام لحرب إبادة لم يكتف النظام السوري بصب حمم وجحيم كل أسلحة الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي على رأس الشعب السوري، بل أضيفت لتلك الترسانة قدرات وجيوش الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الطائفية المتحلقة حوله في الشرق، وعلى رأسها جماعات الحشد العراقي وحزب حسن نصر الله، و أخيرا دخل على خط المواجهة (الجيش الأحمر الروسي السابق) الذي تحول اليوم لأداة عدوانية بأيدي مافيا الروسية، التي لم تحترم مكانتها الدولية الاعتبارية ولم تلق بالا للدساتير والتشريعات ذات الصلة بحقوق الإنسان، بل تدخلت بعنف وكثافة وعدوانية فاشية لم يشهد لها التاريخ مثيلا من أجل كسر إرادة شعب حر قرر تحدي الفاشية و العدوان مهما كان الثمن!
اليوم يمر الشعب السوري بأكثر منعطفاته التاريخية حدة وشراسة ومصيرية، فرغم دعوات الهدنة، ورغم التدخلات الدولية المتسمة بالنفاق لحل أزمة ومعاناة الشعب السوري، إلا أن الإجراءات القائمة ميدانيا باتت توفر الفرص للنظام للإفلات من عواقب جرائمه البشعة بحق الإنسانية هناك، والطامة الكبرى أن الحروب المشهرة على السوريين لم تعد تتم بالأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا، ولا بالصواريخ العابرة للبحار والدول ولا عن طريق البراميل القذرة التي يلجأ لها النظام ككلفة رخيصة في إزهاق أرواح شعبه، بل وصلت لحدود غير مقبولة وظالمة عبر تطويع الدين الحنيف واستعماله في حرب غير أخلاقية، ففي إيران لم تمنع الجرائم الحكومية السورية ضد الشعب المظلوم الولي الإيراني الفقيه، من التصريح بعبارات صادمة تصف الحرب في سوريا بكونها (حرب الإسلام ضد الكفر)! ولا ندري هل أضحى الجيش الروسي الإرهابي جيشا إسلاميا؟ وكيف يتم وصف الشعب السوري الثائر على نظامه الجائر الإرهابي بالكفر، وهو الشعب المسلم الموحد الذي لا يرفع سوى راية التوحيد وطلب النصرة من رب العباد؟ كيف يمكن خلط المصالح السياسية المتغيرة بأمور جوهرية مثل أمور الكفر والإيمان، ليتم الاعتداء بغرابة وسوء نية وطوية على إيمان السوريين الأحرار عبر وصفهم بالكفر؟
الذي نعلمه ويعلمه الجميع وأولهم قادة النظام الإيراني أن النظام السوري لا يرفع الشعارات الدينية، وهو أساسا لا علاقة له بملف الكفر والإيمان قدر علاقته بملف القهر والتسلط وبناء المعتقلات التعذيبية والسجون الرهيبة وإدارة عمليات التصفية البشرية! ولا أدري كيف تسنى للولي الإيراني الفقيه أن يصف معركة السوريين التحررية بكونها معركة الكفار ضد المسلمين؟ وفق أي منهج عقلي أو نقلي اتخذ علي خامنئي ذلك التوصيف القاسي والظالم والمجافي لأبسط الحقائق الميدانية المعروفة؟! أليست نصرة المستضعفين واجبا دينيا وإنسانيا مستحقا؟ وكيف تأكد من يكفر الشعب السوري الثائر من كفر وإلحاد ذلك الشعب؟ وما المقاييس المعتمدة في ذلك؟ للأسف المنطقة برمتها تعيش في ظل أوضاع فوضوية اختلط فيها الحابل بالنابل، وتم التجاوز حتى على القيم الدينية والإيمانية للشعوب وتسخيرها وتوجيهها نحو مسارات خاطئة تدعم الفتنة، وتنشر الكراهية، وتروج للموت والدمار؟ فخافوا من رب العباد يا من تستسهلون تكفير العباد، وليعلم الجميع بأن الثورة السورية ثورة إنسانية وقف ضدها الدول الكواسر وتآمر عليها العالم؛ أملا في كسر إرادة أبنائها ولكنها منتصرة بحول الله وستحقق أهدافها مهما تحولت وسائل تشويهها، ومهما ابتدع من السبل والوسائل لتحريفها عن مسيرتها، وسينصر الله من ينصره ويخزي وجوه القوم المجرمين، ومن يحمل السلاح في مواجهة عصابات بطش وإرهاب يعبر عن الإيمان كله في مواجهة الظلم كله، وإيمان وتقوى السوريين الأحرار في نهاية المطاف لا يحتاج لشهادة حسن سير وسلوك من أي طرف كان! وعلى من يجتهد في تكفير المؤمنين التوبة لله، فصبر جميل والله المستعان.