سياسة عربية

محاصرون بين جبهتين يجسدون معاناة سنّة العراق

عاش هؤلاء المئات في أرض حرام شمال العراق- أ ف ب
عاش هؤلاء المئات في أرض حرام شمال العراق- أ ف ب
يعيش أكثر من 500 رجل وامرأة وطفل محصورين بين عالمين، الأول يريدون هم الرحيل عنه والثاني لا يسمح لهم بدخوله.

على مدى ثلاثة أشهر، عاش هؤلاء المئات في أرض حرام في شمال العراق، محصورين بين مرمى نيران القوات الكردية من ناحية ومقاتلي تنظيم الدولة من الناحية الأخرى.

وتجسد ورطتهم المحنة الأوسع التي يجد العرب السنة أنفسهم فيها في النظام الجديد، الذي بدأ يظهر من هذا الصراع الذي شرد الملايين وبدأ يعيد رسم الحدود الداخلية في كل من العراق وسوريا.

وتريد المجموعة العالقة بين جبهتين في منطقة سنجار من العرب السنة الرحيل عن دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة، لكن الأكراد يرفضون السماح لهم بالمرور بعد أن أمنوا منطقتهم في الشمال وأصبحوا يخشون تسلل خصومهم عبر صفوفهم.

وفي مقابلات هاتفية مع "رويترز"، قال ثلاثة رجال من قرية واحدة بينهم أحد شيوخها إنهم إذا عادوا فسيقتلهم تنظيم الدولة لمحاولتهم الهروب.

واستقرت المجموعة على مسافة 500 متر تقريبا من المواقع الكردية، ونصبت خياما من الأجولة الفارغة وحفرت خنادق مؤقتة تحتمي بها عندما يطلق مقاتلو تنظيم الدولة قذائف المورتر على قوات البيشمركة الكردية.

وقال مزارع يدعى محمود عمره 48 عاما، إن "المورتر أفضل من الجوع. فالمورتر يمكنك الاختباء منه، أما الجوع فلا يختفي".

وقال الثلاثة إن طفلا وامرأة مسنة ماتا بسبب البرد وسوء التغذية ونقص الرعاية الطبية في شهور الشتاء، ولقي رجلان مصرعهما في انفجار لغم. وقال عدد من أفراد المجموعة إن مولودا آخر توفي خلال ولادته الأسبوع الماضي.

ويعاني البعض من إصابات جلدية بسبب عجزهم عن الاستحمام، كما أن ما يشربونه من مياه الآبار في الأرض الحرام ملوث ولذلك فهم يرصون أوعية لجمع مياه المطر عندما يسقط..

وفي أول شهرين كان الطعام يهرب لهم من داخل أراضي تنظيم الدولة، لكن مقاتلي التنظيم قاموا بتلغيم مسار التهريب.

وأصبحت المجموعة تعتمد الآن على ما تجود به العشائر العربية التي تعيش على الجانب الكردي من الخطوط الأمامية، واشترت في الآونة الأخيرة مؤنا أساسية سمح مقاتلو البيشمركة بمرورها. ويكمل أفراد المجموعة غذاءهم بما يتيسر من نباتات تؤكل تنمو حولهم.

وفي بعض الأحيان يقدم مقاتلو البيشمركة الخبز من مؤنهم للأطفال بين النازحين عندما يتجولون وهم جوعى حتى الساتر الترابي الخاص بهم، لكنهم يقولون إنه لا يمكنهم السماح بمرور أحد عبر الخط الأمامي ما لم يتلقوا أوامر بذلك من قياداتهم.

وقال قائدهم ويدعى فريق جمال، إن قرار تحديد من يستبعد ليس بيده، لكن "كل من يوجد في المنطقة التي يوجد فيها الإرهابيون مشبوه".

وتمكن الأكراد من الحفاظ على الأمن النسبي لمنطقتهم شبه المستقلة في مواجهة تنظيم الدولة، لكن المتشددين نفذوا عدة تفجيرات في العاصمة منذ عام 2014، وتقول أجهزة أمنية إنها أحبطت مؤامرات أخرى.

وفي لقاء مع الصحفيين في جنيف الأسبوع الماضي، حث متحدث باسم لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السلطات الكردية على ضمان سلامة المجموعة وحصولها على المساعدات الإنسانية الأساسية.

وقال روبرت كولفيل: "إذا كان لدى السلطات الكردية مخاوف أمنية بشأن مجموعة بعينها، فيجب أن تتحقق من الناس على أساس فردي في موقع آمن وبشفافية كاملة بما يتفق مع القانون".

وأضاف أنه "إذا وُجدت أي مخالفات فيجب توجيه الاتهام للمسؤولين عنها ومحاكمتهم وفقا للقانون. وحيثما يتم التأكد من أن فردا من الأفراد لم يرتكب أي جريمة ولا توجد مخاوف أمنية مشروعة تبرر استمرار احتجازه أو احتجازها بمقتضى القانون فيجب على الفور إطلاق سراحه أو سراحها".

واستقبلت المنطقة الكردية نحو نصف 3.3 مليون عراقي نزحوا عن ديارهم داخل البلاد خلال العامين الأخيرين، الأمر الذي فرض عبئا ثقيلا على مواردها. ومن المنتظر أن يزيد العدد عندما تهاجم القوات الكردية الدولة الإسلامية في معاقلها الباقية.

وظلت هذه المجموعة من العراقيين عالقة منذ أن فر أفرادها من قرية جولات عندما هزمت القوات الكردية مقاتلي الدولة الإسلامية وأخرجتهم من منطقة سنجار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

ويقول النازحون إنهم حتى إذا استطاعوا العودة إلى قريتهم، فهم يخشون أن يتعرضوا لاعتداءات من جانب الأيزيديين المحليين الذين يتهمونهم بالتواطوء في ما ارتكبه تنظيم الدولة من فظائع بحق طائفتهم.

وكان مقاتلو تنظيم الدولة طاردوا الأقلية الأيزيدية، إذ إنهم يعتبرونهم من عبدة الشيطان وقتلوا وأسروا الآلاف من أفراد الطائفة عندما اجتاحوا منطقة سنجار في صيف 2014.

وقال محمود مستخدما اسما شائعا للتنظيم: "أنت تعرف ما فعلته داعش بهم؟ في نظرهم أي عربي (سني) هو إما من داعش أو مرتبط بداعش".

وقال الأمين العام لوزارة البيشمركة جبار ياوار، إن القرية كلها انحازت لتنظيم الدولة وربما يحدث رد فعل من الأيزيديين.

ويصر النازحون العرب على أن شخصا واحدا فقط من قريتهم انضم للتنظيم، ويقولون إنه الآن في الموصل.

وقال محمود: "لو أن بيننا أحدا من داعش لأعدمناه بأنفسنا. كل واحد منا سيطلق رصاصة على رأسه".
التعليقات (0)

خبر عاجل