مقالات مختارة

الانتفاضة والفصائل

عبد اللطيف مهنا
1300x600
1300x600
بدهي هو عدم المساواة بين المساوم والمقاوم في الساحة الفلسطينية. مثله أيضا التسليم بأنها قد تنازعها تيَّاران يفترض موضوعيّا أنهما نقيضان؛ واحدهما، تمثِّله أقلية متنفِّذة وممسكة بالقرار الوطني، طلَّقت المقاومة ثلاثا وخرجت على جملة المبادئ والأهداف والمسلَّمات الوطنية والقومية، التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية المعاصرة، وارتبطت كاثوليكيا بما تدعوه المسيرة التسووية السلمية، ونسميها المسيرة الانهزامية التنازلية التصفوية للقضية، التي أوصلتها، حتى الآن، إلى راهن حالها الأوسلوية الكارثية. وثانيهما، ومعها الأغلبية، وهي الرافعة لشعار المقاومة والرافضة للتصفية.

وإذ لكل من التيارين النقيضين فصيله أو فصائله الأساسية والهامشية المعروفة، فإن هناك من الطرفين ما هو بين البينين، أي، وكما يقول المثل الدارج، يضع رجلا في البور وأخرى في العمار. لعله هنا بالذات، ونقصد حتمية التناقض والتضاد، مكمن ما تدعى أزمة العمل الوطني الفلسطيني، أو ما يفترض موضوعيّا أنه جوهر الانقسام الذي تشهده هذه الساحة… وعندما نقول الانقسام لا نعني به دارج هذا المسمى لما هو القائم تحت السقف الأوسلوي وفي ملعبه، أو بين سلطتي رام الله وغزة. فهذا حديث آخر، ومن شأنه أن يجرنا إلى مسلسل المصالحات التكاذبية متلاحق الحلقات، وآخرها ما ثار حديثها إثر لقاء الدوحة الكتيم مؤخرا، ونحن هنا لسنا بصدده…ما يهمنا هنا هو أن لكل من التيَّارين موقفه من الانتفاضة الشعبية الراهنة، وكلا الموقفين، والمختلفين بالضرورة لاختلاف موقعيهما، يجعلان منها، ويا للعجب، طرفا ثالثا في الساحة، ويتعاملان معه على أنه كذلك.

الأوسلويون المنسجمون مع تغريبتهم التنازلية يذرفون دموع التماسيح على دماء الأطفال الفلسطينيين المراقة في نظرهم عبثا، ولا يرون في استشهاد الفدائيين من الفتية والفتيات إلا ما يعني يأسا، أو ضربا من انتحار لا من معنى أو جدوى له في قاموسهم، ذلك تبريرا منهم لتعاونهم الأمني مع العدو وتجنيد أجهزتهم الدايتونية لمحاصرة الانتفاضة، وفي الوقت نفسه يجهدون لتوظيف هذه الدماء سبيلا لانخراطهم مجددا في متاهاتهم السلمية، على وقع راهن حكاية المؤتمر الدولي الفرنسية، التي يقول الصهاينة رسميّا إنها “ليست مقبولة ولا مرفوضة”! مردوفة بمبادرة يهودية مغربية، يقال إنها قد حصلت على مباركة من نتنياهو وأبومازن، لعقد مؤتمر في القدس المحتلة يحضره عشرون وزيرا أوسلويّا ومثلهم من الشخصيات الصهيونية، بالتوازي مع لقاء يجري الإعداد له بين نتنياهو وأبو مازن في المغرب.

أما فصائل المقاومة فهي تتضامن مع الانتفاضة ولا تتبناها عجزا منها أو تفاديا لمستحقات وكلفة هذا التبني. وهذا يعني أنه في حين أن موقف الأوسلويين يتقاطع موضوعيّا ويتخادم عمليّا مع المحتلين، فإن موقف هذه الفصائل، مهما حاولنا تفهُّمه، بالنظر لظروفها الصعبة في ظل تغوُّل الاحتلال وأجهزة السلطة في ملاحقة كوادرها، أو قلة حيلة أغلبها، إلا أنه يظل، إلى جانب كون المتضامن لا يتضامن مع نفسه وإنما مع غيره، لا من مردود له اللهم إلا تسهيله على الأوسلويين ما هم فيه، بدلا من أن يقطع، كما هو المفترض، الطريق عليهم.

لقد احتاج الأمر منها، ومن أسف، لخمسة أشهر، هي عمر الانتفاضة، لكي تجتمع، وعلى هامش حضورها لمناسبة دعيت للمشاركة في أحيائها، وهي ذكرى اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، لتتداول مسألة الانتفاضة والموقف المستوجب منها تجاهها، ولتصدر مجتمعة لأول مرة بيانا باسمها لتتخذ موقفا من مثل:

“تأكيد الأهمية القصوى لاتخاذ قرار سياسي واضح تعبِّر من خلاله الفصائل الفلسطينية عن وقوفها في صف واحد وراء الانتفاضة الشعبية، ومشاركتها في فعالياتها بأقصى طاقتها”… كلام جميل، لكن أقل ما يمكن قوله هنا هو أن مثل هذه الفقرة من البيان تطرح جملة من الأسئلة العلقمية على متلقيها في الساحة الفلسطينية، وخلاصته أنها تعني ببساطة أن هذا “القرار السياسي الواضح” ذا الأهمية القصوى هو لا يزال برسم المطلوب، أي لم يتخذ بعد، ولا تم الإجماع المنشود عليه، وبالتالي لا من وقوف في صف واحد حتى الآن… ثم لماذا وراء الانتفاضة وليس في صدارتها؟! والأدهى منه أن الفقرة اللاحقة تقول: “السعي لتطوير البنية الهيكلية التنظيمية للانتفاضة، بما في ذلك تشكيل إطار قيادي موحَّد لتنسيق نشاطاتها وفعالياتها”. إذ لا ندري هنا كيف لمن يعجز عن الالتحاق بركب الانتفاضة، أو يخشى كلفة تبنيها وخوضها من خلال الانخراط المباشر فيها، أن يتصدى لمهمة تطوير بناها الهيكلية والتنظيمية؟! كما ومن أين لمن هم بحاجة للوحدة والوقوف في صف واحد حق الإسهام في تشكيل إطار قيادي موحَّد لها؟! ثم لو قيض لهم تشكيله أو ليس من يتسنى له أن يشكِّل شيئا لن يكون ما يشكَّله إلا على شاكلته؟! ربما لأنها بلا قيادتهم فهي مستمرة، ولأنها مستمرة، فالمؤكد أنها سوف تفرز هي، ووحدها، قيادتها.

عندما اندلعت الانتفاضة لم تستأذن أحدا، وفدائيوها ومناضلوها، من منتسبي التنظيمات وأجهزة السلطة الأمنية تحديدا، خاضوها فرادى وسيزدادون مع الأيام. البطلان الشهيدان منصور شوامرة وعمر عمر في بداية الأسبوع سارا على درب أمجد السكري… واندلاعها بحد ذاته فيه رد شعبي على انهزامية وكارثية الخيار الأوسلوي، وإعلان لسقوطه، وتنويه بهرم الفصائل وعجزها. أما جوهره فالتقاط جيل جديد لراية نضال مستمر التجدد، آخذا على عاتقه إعادة الاعتبار لثقافة المواجهة، والصراع إلى مربعه الأول، والثوابت لنقاء البدايات، وكله استنادا إلى فيض من موروث نضالي هائل… وتلكم المسلمات والمبادئ التي انطلقت منها ما عرفت بالثورة الفلسطينية المعاصرة.

عن صحيفة الوطن العمانية
1
التعليقات (1)
محمد يعقوب
الأحد، 21-02-2016 01:19 ص
ألأوسلويون بقيادة المهندس عباس هم من باعوا ألقضية في أوسلو وهم ألمسؤولون ألأوائل عما آلت إليه القضية من تصفية نهائية. ألإنتفاضة أو الهبة السلمية التي يطلقون عليها كانت مفاجأة لهم. دائما أراجع أسماء الشهداء الشباب والأطفال ولم أجد أي منهم ينتهى إسمه بعباس أو عريقات أو الرجوب أو أو، بمعنى لم أجد أي من أولاد النخبة قدموا أنفسهم فداء للقضية التي يتغنى بها آباءهم زورا وبهتانا.