بروكنجز: كيف تطور مستوى تخطيط تنظيم الدولة منذ 10 سنوات؟
لندن – عربي2113-Feb-1612:40 AM
0
شارك
أبو بكر البغدادي - أرشيفية
يبقى تنظيم الدولة الشغل الشاغل لمعاهد البحث والدراسات في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية.
معهد بروكجنز المعروف يقدم في هذا الإطار دراسة مفصلة حول كيفية تطور مستوى التخطيط في تنظيم الدولة الإسلامية وإلى أين وصل.
الباحث هارون زيلين، كاتب الدراسة، يعتقد أن محاولة تأسيس دولة من منظور السلفيين الجهاديين ليست ظاهرة جديدة، فـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، برأيه هي المحاولة الثانية للتنظيم لتأسيس دولة وفرض حكمه على الأراضي التي يسيطر عليها. لكن ما يميزه هذه المرة هو مستوى التخطيط والتطور والقدرات التي يتمتع بها مقارنة بما كان يمتلكه قبل عشر سنوات.
الدولة الأولى
يقول زيلين إنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2006، عندما تم الإعلان عن «الدولة الإسلامية في العراق»، بايع زعيم مقاتلي تنظيم «القاعدة في العراق» أبو أيوب المصري (المعروف أيضا بأبي حمزة المهاجر) زعيم التنظيم الجديد أبو عمر البغدادي، الذي نصب نفسه زعيما. وفي كتاب صدر في كانون الثاني/ يناير 2007، شرح الشيخ عثمان بن عبد الرحمن التميمي من «الدولة الإسلامية في العراق» الأساس المنطقي لإعلان الدولة، وحدد أيضا مسؤوليات الدولة تجاه المناطق التي تسيطر عليها وهي: ملاحقة المجرمين والمذنبين، وتنفيذ الحدود، والتوسط وحل النزاعات، وتوفير الأمن، وتوزيع المواد الغذائية والإغاثة، وبيع النفط والغاز.
وعلى الرغم من أنها أطلقت على نفسها اسم دولة، لم تسيطر «الدولة الإسلامية في العراق» سوى على أراض صغيرة ولفترات زمنية محدودة، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى الاحتلال العسكري الأمريكي، ولكن أيضا بسبب التمرد والمنافسة بين العشائر على السلطة، فقد حاولت هذه «الدولة» أن تظهر غطاء من الشرعية من خلال إنشاء مجلس وزارات في نيسان/ إبريل 2007 وأيلول/ سبتمبر 2009. ولكن بسبب القيود التي واجهت «الدولة الإسلامية في العراق»، كان من شبه المستحيل تسوية النزاعات وتوفير الأمن وتوزيع المواد الغذائية والإغاثة أو بيع النفط والغاز. وبدلا من ذلك، تراجعت عن معظمها إلا عن إقامة أنشطة الحسبة واستهداف الأعداء كالمرتدين، وبالتالي تشريع الاستهداف والقتل.
وبالتالي، قبل عشر سنوات، لم ترقَ «الدولة الإسلامية في العراق» إلى المعايير الخاصة بها للتميز في الحوكمة. فقد قتلت وخطفت قادة من الحلفاء السابقين، مثل «الجيش الإسلامي في العراق» و«أنصار السنة» وغيرها من الفصائل المعارضة، لأنهم كانوا غير مستعدين لمبايعة البغدادي.
وفرضت «الدولة الإسلامية في العراق» رؤيتها الإسلامية على الأماكن التي سيطرت عليها مثل ارتداء النقاب على الإناث، وأحرقت صالونات التجميل ومحلات بيع الأشرطة الموسيقية، وجلدت الأفراد الذين يشربون الكحول أو يدخنون السجائر، وحظرت استخدام الحلاقين لشفرات الحلاقة الكهربائية.
لكن هذا التطبيق عجّل في قيام ما أصبح يُعرف في النهاية باسم الصحوات. وأدى ذلك، إلى جانب زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق، إلى إلحاق الهزيمة التكتيكية بـ «الدولة الإسلامية في العراق» بحلول عام 2009.
نحو دولة ثانية
بما أنه تمت هزيمة «الدولة الإسلامية في العراق» من الناحية التكتيكية فقط وليس من الناحية الاستراتيجية، استخدمت هذه «الدولة» الانسحاب الأمريكي الذي انتهى في كانون الأول/ ديسمبر عام 2011، والشكاوى السنية من نظام نوري المالكي في بغداد، والأهم من ذلك ساحة المعركة المجاورة في سوريا، لإعادة بناء بنيتها التحتية وقدراتها.
في المرحلة الثانية وفي آذار/ مارس 2013، قبل شهر من قيام التنظيم بتغيير اسمه إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»: "من خلال الخطاب الطائفي، ستستخدم «الدولة الإسلامية في العراق» الحرب السورية في محاولة لكسب المزيد من المجندين في العراق، واسترجاع الفرصة التي أضاعتها في العقد الماضي". وهذا بالفعل ما قامت به. فهذه المرة أثبتت «الدولة الإسلامية في العراق» أنها تختلف كثيرا عن العقد الماضي، وكان لها أيضا وثيقة موقف مؤقتة تحدد كيف تسعى إلى الاستيلاء على الأراضي وحكمها.
وقبل اندلاع النزاع الداخلي الذي بدأ في كانون الثاني/ يناير 2014 بين تنظيم «الدولة الإسلامية» والثوار والإسلاميين والفصائل الجهادية الأخرى في سوريا، كان ثمة تفاهم بين مختلف القوات الثائرة ضد نظام الأسد. ونتيجة لذلك، تمكن تنظيم «داعش» من ترسيخ موقعه داخل الائتلاف المناهض للأسد الأوسع نطاقا، حتى في ظل تحفظ الفصائل الأخرى تجاهه، على عكس الوقت الحالي، حيث يعتبر تنظيم «الدولة الإسلامية» منبوذا. كما يرى زيلين.
ومنذ نيسان/إبريل 2013 وحتى كانون الثاني/ يناير 2014، انصب التركيز الرئيسي لـ تنظيم الدولة على تقديم نفسه بصورة إيجابية للشعب السوري من خلال منتديات الدعوة وتوفير الخدمات. كما قام بحملات شرطة أخلاقية أكثر ليونة، مثل حرق السجائر أو مصادرة الكحول. ولكن على غرار ما حدث قبل عقد من الزمن، قتل التنظيم أيضا قادة آخرين من الفصائل السورية الثائرة، مما دفع إلى قيام رد فعل عنيف. فقد تم إخراج التنظيم من محافظات اللاذقية وإدلب، وأجزاء من محافظة حلب بين كانون الثاني/ يناير وآذار/مارس 2014.
وأدى ذلك إلى توحيد تنظيم «الدولة الإسلامية» للأراضي بشكل مستقل نحو الشرق في محافظة الرقة وأجزاء من محافظة دير الزور، وفي ذلك الوقت بدأت العقوبات الأكثر قسوة في الظهور، مثل قطع الأيدي بسبب السرقة أو صلب المرتدين المزعومين. وفي هذه الفترة، سعى تنظيم «داعش» أيضا إلى أن يبدو وكأنه كيان شبيه بالدولة، عبر الافتخار بأقسامه الإدارية المختلفة، بما في ذلك مكاتب الدعوة الخاصة به والمحاكم الشرعية والمدارس الدينية ومراكز الشرطة والبلديات المحلية وغيرها. وقد كانت تلك العملية غير متساوية ما بين أنحاء ولايات التنظيم كافة، حتى إعلانه الخلافة في حزيران/ يونيو 2014، حين غيّر التنظيم اسمه مرة أخرى ليصبح «الدولة الإسلامية».
الدولة الثانية
منذ ذلك الحين، وبناء على تقييمي للآلاف من أبرز النشرات الإعلامية الخاصة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، يقول زيلين، ظهر نمط معين في المحاولات الرئيسية التي عمل عليها التنظيم للتوسع أو السيطرة على أراض جديدة، وتعزيز سيطرته عليها. فالمنهجية التي يتبعها تنظيم «الدولة الإسلامية» في جعل هيكليته في الحكم تقوم على نظام محدد ووفق تدابير إدارية محددة، تتسم بالطابع الرسمي وتسمح له بالعمل باستمرار وبشكل متواز في جميع أنحاء ولاياته المختلفة. ويمكن تطبيق هذا النموذج من الحكم أيضا في الإقليم الأساسي الخاص به في العراق وسوريا، فضلا عن مختلف المحافظات الأخرى. لا بد من الإشارة إلى أن هذا النموذج أكثر تقدما بكثير من النموذج السابق، ناهيك عن فروع تنظيم «القاعدة» (أقرب مثال على ذلك «حركة الشباب» في الصومال).
وتوضح أبحاثي، يقول زيلين، أن بناء الدولة من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» يتم على مرحلتين: مرحلة ما قبل السيطرة على الأرض، أو السيطرة الجزئية عليها، ومرحلة السيطرة الكاملة على الأرض. وتبرز ضمن هاتين الفئتين خمس مراحل لفرض السيطرة: الاستخبارات، والجيش، والدعوة، والحسبة، والحوكمة. على الرغم من أن الحسبة تُعتبر عادة جزءا من جهاز حوكمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أنني فصلتُ ما بين الاثنين؛ حيث يساعد ذلك على تمييز مستوى التقدم والتطور المرتبط بنشر العدالة عن المستوى المرتبط بالخدمات الفعلية والإدارة والنشاط الاقتصادي؛ لأن تنفيذ المستوى الأول أسهل من الثاني.
وبالمقارنة مع دولتها الأولى، أي «الدولة الإسلامية في العراق»، وبنائها لدولة ثانية، أي «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تُعتبر هيكلية «الدولة الإسلامية» وخطتها وتنفيذها ما بعد حزيران/ يونيو 2014 أعلى مستوى بكثير. وبالإضافة إلى ذلك، واعتمادا على تواريخ معينة في محافظات معينة، ارتقى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى معايير الحوكمة الخاصة به.
وتوضح هذه الزيادة في الفعالية قدرة التنظيم على التعلم من تجاربه السابقة. وتشير أيضا إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد يطبق الدروس المستفادة، فيما يتم تنفيذ حوكمته في مناطق خارج العراق وسوريا وخاصة في ليبيا، بل ربما أيضا في اليمن أو أفغانستان في المستقبل. فالمعارف الجديدة ستشحذ فكر تنظيم «الدولة الإسلامية» وتؤدي إلى استمرار نموه وتطوره، بالإضافة إلى تقصير منحنى تعلمه.
لذلك، قد تتغيّر جوانب نموذج تنظيم «الدولة الإسلامية» في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فمنذ بدء الضربات الجوية بقيادة الولايات المتحدة، تناقصت قدراته تدريجيا. ونتيجة لذلك، يصعب حاليا تحديد ما إذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية» سيرتقي ليلبّي معاييره بعد الآن. وفق زيلين.