ملفات وتقارير

هل تتدخل تركيا عسكريا في سوريا؟

مراقبون استبعدوا التدخل العسكري في تركيا بسبب "السقف الأمريكي" - أرشيفية
مراقبون استبعدوا التدخل العسكري في تركيا بسبب "السقف الأمريكي" - أرشيفية
أثارت التقدمات العسكرية الأخيرة للنظام السوري وحلفائه، مدعوما بالغطاء الجوي الروسي الكثيف، و"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، ذراع "حزب العمال الكردستاني" في سوريا، في الشمال السوري ومحافظة حلب، وسيطرتها على مساحات واسعة، مخاوف تركيا التي عبرت عنها بتلميحات لإمكانية التدخل العسكري المباشر في سوريا، ترافقت مع تلميحات سعودية مشابهة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن، الأحد، أن الأزمة السورية لن تستمر طويلا، وأن "الوضع سيتغير في لحظة معينة"، مؤكدا: "نحن لا نريد أن نكرر في سوريا الخطأ ذاته الذي ارتكبناه في العراق"، في إشارة لترك العراق للولايات المتحدة، إلا أن أنقرة نفت لاحقا تقارير إعلامية تم تداولها مؤخرا "استعداد 150 ألف عسكري للمشاركة في عملية عسكرية عبر الأراضي التركية".

فما هي احتمالات وتداعيات التدخل التركي العسكري في سوريا؟

"سقف أمريكي"

بدوره، رأى الباحث والكاتب في الشأن التركي سعيد الحاج أن تركيا لن تتدخل عسكريا في سوريا، معتبرا أنها "تجاوزت احتمالات التدخل في سوريا، خصوصا بعد أزمة المقاتلة الروسية، التي أسقطها الجيش التركي مطلع العام الجاري"، مؤكدا أن تركيا لا تستطيع أن تقوم بأي عمل ميداني أو عسكري دون ضوء أخضر أمريكي، وهو مستبعد حاليا في ظل انحياز أمريكا للموقف الروسي، وضغطها على المعارضة السورية.

ورأى الحاج، في تصريحات لـ "عربي21"، أن دفع أمريكا لتركيا للتدخل سيكون من باب "توريطها" أكثر في المستنقع السوري، لا لإنهاء الأزمة أو تحقيق مصالح تركيا، ضمن ضغطها الذي تقوم به على الجميع لإنهاء الأزمة.

وأكد الجنرال التركي آرمجان كول أوغلو نفي الحاج، قائلا إن تصريحات أردوغان حول "خطأ تركيا في العراق" لا يمكن مقارنتها بما يجري في سوريا، إذ إن "الهدف كان واضحا، بينما تشهد الأمور تعقيدا كبيرا في سوريا".

وأضاف كول أوغلو، في مداخلة لموقع "المونيتور" الأمريكي، أن الإشكالية الرئيسية تكمن في تعدد الأطراف التي قد تواجهها تركيا - أو السعودية أو أي طرف آخر -، "فهناك النظام والأكراد وتنظيم الدولة"، بالإضافة لغياب تحالف وغطاء لهذا التدخل، بعكس الحالة في العراق، التي كانت تهدف لإسقاط نظام صدام، تحت التحالف الدولي الذي قادته أمريكا.

أنقرة - الرياض - الدوحة

وحول بدائل التدخل العسكري المباشر، رأى الحاج، الكاتب في الشأن التركي، أن الخيارات المتاحة لتركيا في الأزمة السورية اليوم، تكمن في ثلاثة أمور: "تقوية المعارضة السورية سياسيا وعسكريا والعمل على توحيدها وصياغة رؤية موحدة وبنية واضحة، وتفعيل التعاون ضمن تحالف (أنقرة - الدوحة - الرياض) وتحويله من تعاون تكتيكي إلى تحالف استراتيجي برؤى وخطط واضحة".

أما الخيار الثالث، بحسب الحاج، فهو توفير دعم عسكري نوعي للمعارضة السورية المسلحة، متمثلا بمضادات الطيران والدروع، وهو ما يتطلب اختراقا للسقف والحظر الأمريكي، مشيرا إلى أن "من لم يستطع اختراق سقف مضادات الطيران؛ كيف سيستطيع اختراق سقف أعلى من ذلك؟".

من جانبه، دعا الباحث في العلاقات الدولية علي باكير، السعودية وتركيا إلى التخلص من "المشكلات التي تعاني منها"، مشددا على: "ضرورة اللعب خارج السقف الأمريكي، فتركيا والسعودية تعرفان أن واشنطن تلعب ضدهما ولكنّهما لا تقومان بما هو كاف لمواجهته أو لتغييره".

وتابع باكير، في مقال له مع صحيفة "العرب" القطرية، قوله بأن "ثاني هذه المشكلات هو: ضرورة التركيز على العمل العسكري أكثر من العمل الدبلوماسي"، مضيفا أن "ثالثها هو الأداء التقليدي والبطيء، فمن الملاحظ أنّه وبغض النظر عن الإجراء الذي تتخذه كل من تركيا والسعودية فهو دائما يأتي متأخرا قياسا بالتطورات الجارية على الأرض وبالخطوات التي يتخذها حلفاء الأسد في سوريا".

عتب عالي الصوت

وكان أردوغان هاجم الولايات المتحدة بخصوص اعتبارها "الاتحاد الديمقراطي" منظمة غير إرهابية، مخيرا واشنطن بين "أنقرة وإرهابيي كوباني"، ومتهما إياها بجر المنطقة إلى "بركة دم".

واعتبر الحاج أن هذه التصريحات لا تعدو أن تكون "عتبا عالي الصوت، منطلقا من خشية تركيا على توسع الدور التركي شمال سوريا، الذي قد يصل إليها عبر ممر إعزاز"، وهو ما تعتبره خطرا قوميا عليها، موضحا أن خيارات تركيا قلت كثيرا بعد إسقاطها للمقاتلة الروسية، وتجنبها صراعا مسلحا مباشرا مع روسيا، بالإضافة للصدامات المسلحة التي تشهدها البلاد مع حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره المنظمة الأم للـ (الاتحاد الديمقراطي)".

وأكد الكاتب التركي سميح إيديز، في مقال له مع "المونيتور"، ما ذهب إليه الحاج، من تجنب تركي لمواجهة عسكرية مع روسيا، قائلا إن هذه المواجهة ستسبب "كارثة" بالنسبة لروسيا.

تهيئة للجو

وبالرغم من النفي الرسمي التركي، إلا أن تركيا تملك أسبابا تدفعها للتدخل العسكري، أهمها: "سيطرة تركيا على ممر إعزاز  - جرابلس الممتد على الحدود التركية السورية، والذي يسعى أكراد سوريا للسيطرة عليه"، بالإضافة إلى كونها "اختبارا لالتزام روسيا بدعم حليفها في سوريا، والتزام الناتو بدعم حليفه تركيا".

وشهدت الأوساط الإعلامية التركية "تهيئة للأجواء" بخصوص التدخل، إذ رأى إبراهيم كارا جول، رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" التركية، المقربة من العدالة والتنمية، أنه "حان الوقت بالنسبة لتركيا لتواجه بعض الحقائق المرة"، داعيا إياها لتدخل عسكري مباشر في سوريا، بما يتسق مع مصالحها.

أما صحيفة "حريات" المعارضة للحكومة التركية، فاعتبرت أن "السياسية التركية القديمة في سوريا انهارت سياسيا وعسكريا"، موضحا أن تركيا فقدت أدوات فاعليتها هناك، كما أن المسؤولين الأمريكان لم يأخذوا التصريحات حول التدخل بعين الاعتبار، بحسب مراسل الصحيفة في واشنطن، تولجا تانيس.
التعليقات (0)