تم الإعلان أمس عن تأسيس مخيّم جديد للاجئين السوريين على مقربة من الحدود التركية، بعدما رفضت أنقرة السماح لهم بدخول أراضيها. إذ وصل إلى تلك المناطق قرابة 35 ألف هارب من جحيم القصف الروسي، ومن البراميل المتفجرة، ومن الظروف غير الإنسانية في ريف حلب الشمالي!
وفقا للشهادات القادمة من المناطق الشمالية، فإنّ حجم القصف الروسي غير مسبوق، وهو أشبه بفلسفة الأرض المحروقة، لا يميز بين مدني ومقاتل، ويقتلع الجميع. ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ مسألة اللاجئين سوف تتضاعف لتصل إلى مئات الآلاف خلال الفترة القريبة المقبلة، وبما يزيد من حجم الضغوط الأوروبية على تركيا للسماح لهم عبور الحدود إلى أراضيها، وتوفير الملاذ الآمن لهم، من الحرب والظروف الطبيعية القاسية!
بالرغم من أنّ حجم القصف والهجوم من قبل النظام السوري وحزب الله بدعم روسي على المناطق الجنوبية في سورية ليس بنفس القدر المرعب في الشمال، إلاّ أنّه لا توجد لدى الأردن أيّ ضمانات حقيقية بأنّ سيناريو حلب لن يتكرر في درعا!
بعدما كان هناك تفاهمات على "الوضع القائم" بين الأردن وروسيا في المناطق الجنوبية، بدأت القوات النظامية هجوما شرسا على درعا، من دون سابق إنذار، قبل أسابيع قليلة. واستثمرت عامل المفاجأة، وانقطاع الدعم العسكري عن الجبهة الجنوبية (التنظيم الأكبر للجيش الحرّ في درعا)، فسيطرت على بلدة استراتيجية مهمة وهي الشيخ مسكين، ثم بدأت تتمدد إلى المناطق المجاورة، مع وجود مؤشرات على احتمال وقوع هجوم كبير في الفترة المقبلة، وعدم نجاعة محاولات الأردن تثبيت "وقف إطلاق النار" في تلك المناطق!
هذا السيناريو يعني، بالضرورة، مئات الآلاف من اللاجئين الجدد إلى الحدود الأردنية، كانت تقدّرهم مصادر رسمية بنصف مليون، ما يضعنا تحت ضغوط دولية شديدة، بخاصة بعد مؤتمر لندن، الذي قد تستخدمه الدول الأوروبية، في الاتجاه المقابل، كما فعلت مع تركيا للقول بأنّ "الأردن قبض ثمن اللاجئين"!
بالطبع، هذا كلام غير صحيح، وهناك قرار أردني بعدم السماح إلاّ لحالات إنسانية محدودة بعبور الحدود. لكن حجم الضغوط سيكون كبيرا، وستتداخل الأبعاد الإنسانية والأخلاقية والأمنية بصورة كبيرة. في الوقت الذي نجد فيه على حدودنا الشمالية الشرقية (وليست الشمالية الغربية) اليوم مخيمين جديدين للاجئين (الحدلات والركبان)، يضمان 16 ألف لاجئ، لكن العدد في ازدياد مستمر!
العام الماضي، عندما بدأت قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والنظام السوري هجوما كبيرا للاستيلاء على المثلث الاستراتيجي (ريف درعا ودمشق والسويداء)، أرسل الأردن برقية واضحة لموسكو بأنّ "درعا خطّ أحمر"، وتم إجهاض الهجوم، بل وبدأت جهود بديلة لهجوم معاكس تماما، وتأسست الجبهة الجنوبية المعتدلة، وأخذ الأردن زمام المبادرة في المناطق الجنوبية، فأصبح في حالة هجوم لا دفاع.
لكن مع الهجوم الروسي انقلبت الحسابات رأسا على عقب. وكانت هناك تهدئة في تلك المنطقة، وتفاهمات أردنية-روسية، من الواضح أن حزب الله وإيران يتحللان منها (بتواطؤ روسي). لكن المعضلة الآن تبدو في أنّ الأميركيين أنفسهم غيّروا حساباتهم، والأوروبيين تغيّروا أيضا، ولم يعد هناك من يراهن على الجيش الحرّ منهم، وأصبحت درعا خارج التغطية الدولية والإقليمية وصيدا ثمينا للنظام السوري وحلفائه!
لم تعدّ درعا خطّا أحمر لأحد، لكنّ سيناريو حلب في درعا يعني ورطة كبيرة للأردن، أمنيا واستراتيجيا وإنسانيا، فما هي خياراتنا مع التحولات الدولية والإقليمية الجديدة؟!
سؤال برسم الإجابة من الجميع.